السبت، 1 يناير 2011

النقد اخلاص وأمانة

كتب : صلاح الدين محسن
الحوار المتمدن - العدد: 3231 - 2010 / 12 / 30

النقد كعلم – وبأنواعه - ، هو مثله مثل كل العلوم .. مأخوذة من الحياة . نمارسها أو نشاهدها ، أو نعيشها في حياتنا ، أو تحيط بنا فوقنا أو تحتنا أو حولنا .
ودور العلم هو مجرد : وضع الحدود ورسم الملامح ورصد ، و تسجيل القواعد . ليمكننا الاحتكام اليها عند الاختلاف . دفعا لاختلاط الأمور ، ولترشيد التعامل معها ، والاستفادة بها .. وتطويرها .

فمثلا .. علم المسرح . موجود في حياتنا اليومية .. سواء وجدت له معاهد علمية تدرسه ، أم لم توجد ..
وهذا ما عبر عنه المسرحي الرائد الراحل " يوسف وهبي " بما كان يردده : ما الدنيا الا مسرح كبير ....

كذلك النقد . بأنواعه . موجود في الحياة من قبل ومن بعد دخوله المعاهد العلمية لتدريسه بها .

و ليس كل من درس النقد . هو علي درجة كافية بالضرورة من موهبة الحس النقدي .. فقد يكون مجرد دارس ، حافظ .. كمن يحفظ كتابا دينيا .. كببغاء بأكثر مما هو فاهم واعي ..
فان أضيف الحقد .. الي ببغاويته .. فانه يعتمد علي حفظه . ليسخر من الناس ويعقد أمورهم وحياتهم !! وتكون فرصته الوحيدة ليظهر ويختلق له مكانة بين مجتمعه . كفقي – فقيه – حافظ حفيظ . أكثر منه فهيم نابه .. فيحط من مقدار آخرين . هم علي موهبة أفضل منه وأعلي قدرا ، بزعم أن ما يقولونه ليس نقدا ، وانه هو الدارس الفاهم للنقد .. وقد ينجح في هز صورهم . أمام من يصدقونه ، ويأخذون بكلامه مخدوعين فيه.. ..! .

توفيق الحكيم . قابل في طريقه الابداعي من دارسي المسرح . من حقدوا عليه . فوصفوا مسرحياته بأنها ليست مسرحا .. واستندوا في أحكامهم علي كونهم أكاديميين ، وعلي قوالب أكاديمية جامدة كما النصوص المقدسة الصلدة .. وقد لا يملك أحدهم حجة سوي القول : أنا أستاذ المسرح ، وأقول ان ما يكتبه " توفيق الحكيم " ليس مسرحا . – ولكنه أستاذ دارس ومدرس .. وليس فنانا مبدعا في المسرح وربما لن يكون مبدعا في يوم من الأيام .. وكلام أمثال ذاك . الذي لا يكون صحيحا .. عن " توفيق الحكيم " .انما يهدف لمصلحة ما – رغبة في اببتزازه ماديا أو أدبيا ، أو لاحراز شهرة ومكانة شخصية عند محبي المسرح والمسرحيين الذين يخدعهم كلامه ..

وأمام هؤلاء الذين نفوا عن كتابات " الحكيم " صفة المسرح . اضطر – أي الحكيم - لأن يكتب في بداية طبعات بعض مسرحياته أن مسرحه ليس للتمثيل علي المسرح بالضرورة ، وانما هو عمل ذهني ....

ومع ذلك ظهرت مسرحياته فوق خشبات المسارح ..
هذا حدث لتوفيق الحكيم . ممن يحملون من الحقد أكثر مما لديهم من النقد البريء المخلص .

المسرح قد يكون موجودا بداخل قصيدة شعرية . ولو بدون قصد من الشاعر . روح المسرح – المسرحة – . لو فهم هؤلاء ..

وقد يكون المسرح موجودا أيضا بداخل قصة أو رواية – روح المسرح – لو فهم هؤلاء ..

لذلك . فان المخرجين الذين يتمتعون بالاحساس ، بالوعي ، والفهم . كثيرا ما يخرجون مسرحيات بالغة الروعة من قصة .. ، أو من قصيدة ، أو من رواية .. بقراءتهم لها . يحسون بقوة ، بالروح المسرحية المنسابة بداخلها. فيكلفوا كاتبا باعدادها للتمثيل علي خشبة المسرح ... ولذلك نقرأ أحيانا علي تترات واعلانات بعض المسرحيات :
عن قصة الكاتب : فلان ، أعدها للمسرح : فلان ..
وتحقق المسرحية نجاحا كبيرا . في حين ان المسرحيين الأكادميين جامدي العقول قرأوها من قبل كقصة ، أو رواية أو قصيدة . ولكنهم لم يشعروا بأي شيء مسرحي بداخلها ! . فقط وجدوها حسب اسمها علي الغلاف . – قصة أو رواية أو ديوان شعري . . بدون احساس بروح المسرح السارية بداخلها .. ولم تزد عن ذلك في عيونهم ..

وبالطبع ما هكذا كل الأكاديميين بل منهم عباقرة وأساتذة بحق . موهوبون فنانون مبدعون، مجددون ، مطورون .. يتمتعون بعقول وبرؤي غير مقولبة .. ويشهدون بمواهب غيرهم ويفرحون بها ولا ينقصونها حقها ولا يقللون من قدرها ..
والرائد المسرحي الراحل " زكي طليمات " كان واحدا من هؤلاء . فنانا بحق . ممثلا ومخرجا . في نفس الوقت الذي كان فيه أستاذا أكاديميا . – أول عميد لمعهد الفنون المسرحية في أوائل الأربعينيات من القرن الماضي . .

من رواد المسرح "علي الكسار " صاحب واحدة من اشهر وانجح الفرق المسرحية في زمانه . لم يكن يعرف القراءة أو الكتابة .. (!) .

وكذلك اسماعيل يس . الذي ملأ حياتنا فنا . ثمثيلا ومنولوجا ، ومرحا وبهجة .. وكان صاحب فرقة مسرحية . تحمل اسمه . لم يتلق تعليما ..

ومحمود شكوكو . الذي لقبوه ب " شارلي شابلن الشرق " لم يتلق تعليما..
أما الرائد المسرحي والفنان " زكي طليمات " فقد التحق بمعهد التربية ثم أوفد في بعثة إلى فرنسا لدراسة فن التمثيل في باريس في مسرح الكوميدى فرانسيز والأوديون وعاد حاملاً دبلوماً في الإلقاء والأداء وشهادة الإخراج .

وروز اليوسف . أسست المجلة السياسة الشهيرة . المعروفة للآن . . وعمل عندها في حياتها وبالمجلة بعد رحيلها . من صاروا فيما بعد عمالقة الصحافة والأدب والكاريكاتير والشعر .. ، وهي نفسها الممثلة التي سميت في عصرها " سارة برنارد الشرق " ..لم تتلق تعليما .. ويقال انها لم تكن تعرف القراءة أو الكتابة ...وتزوجت زكي طليمات . ولها منه ابنة . وشاركها في التمثيل . وحصلا معا علي الجوائز . وقد سمعته – طليمات- في حديث اذاعي يشيد بدور موهبة روز اليوسف - الممثلة – عندما مثل أمامها علي المسرح . فبحضورها المسرحي الكاسح اشعلت حرارة آدائه . مما ساعده في الحصول علي جائزة مثلها في نفس العمل . ! انها عبقرية روز اليوسف الموهوبة التي لم تدرس التمثيل ، وأفادت وألهمت الرجل الذي درس التمثيل والاخراج ، وعاد يحمل الشهادة من فرنسا .. وانها أيضا لعظمة " زكي طليمات " الأكاديمي . الذي أقر بالفضل الفني عليه . لممثلة لم تتلق تعليما !!.

العباقرة ، أعمالهم العبقرية .. كثيرا ما تكون فوق المألوف وفوق المعروف ، وفوق العلم التقليدي ، وفوق المعلمين التقليديين ، وفوق النقد التقليدي ..

سمعت الرائد لكبير يوسف وهبي . في برنامج اذاعي . يسألونه عما اذا كان قد هوجم وانتقده الآخرون ؟ وماذا قال عنه أعداؤه الحاقدون .
فأجاب :
قالوا انني : لست فنانا .. وأنني مهرج ، وأنني لا أستحق الوقوف علي خشبة المسرح ..
!!!
كل هذا قيل عن رجل قدم للمسرح وللتمثيل عموما ، من صاروا عمالقة وعلامات في الفن – مسرح وسينما - .. وأنفق ميراثه عن أبيه علي فن المسرح . وكان يجوب بمسرحة وبمسرحياته بالدول وبالمحافظات وبالمدن .. .. ؟!..
فتري : من هؤلاء الذين تجاسروا وتطاولوا علي ذاك الرائد العظيم ؟
الجواب : بالطبع هم نقاد ومسرحيون ..!

من قرابة 15 : 20 عاما . في واحدة من أهم قاعات عرض لوحات الفن التشكيلي . بالقاهرة . وهي قاعة معهد جوتة – التابعة للمركز الثقافي الألماني . قرب ميدان التحرير . شاهدت من ضمن ما شاهدته . اثنين من المعارض . أحدهما معرض لفنانة تلقائية مصرية – فلاحة .. – " شلبية " ، ومعرض لفنان تلقائي مصري اسمه " الشيخ رمضان " . وهو رجل ريفي عادي بسيط ، يلبس الجلباب والعمامة والطاقية . ولكنه فنان . التقطه رجل ألماني مقيم في مصر . من احدي القري ، بعدما رأي لوحاته فأعجبته . فسعي لاقامة معرض لتلك اللوحات بقاعة معهد جوتة الألماني ..!
وكل من الفنانة والفنان التلقائيين . لقيا معرضاهما احتفاءا كبيرا من الوسط الفني ، والوسط الثقافي عامة . حينذاك . ولكن ..
لا يخلو الأمر دوما من ظهور ناقدين ينفثون من الحقد أكثر مما يقدمون من النقد النافع ..

في احدي الدول الناطقة بالعربية . منذ سنوات كثيرة . كنت بصحبة مجموعة من الأصدقاء من مواطني تلك الدولة . وفجأة مر رجل . فرحوا لمروره ، وقالوا لي انه شاعر شعبي محبوب . ودعوه لتناول فنجان شاي معنا . وامتاعهم بالقاء بعض أشعاره . وهمسوا لي : انه أمي لا يعرف القراءة ولا الكتابة .
سعدوا جدا وسعدت معهم بالاستماع الي شعره .
وبعدما انصرف الشاعر . قال أحد من كانوا يجلسون علي مقربة منا : هذا ليس شعرا ..
- سألوه : كيف ؟ ولماذا ؟
فاتضح انه كان قد اصطاد بيتا من القصيدة وقال انه مكسور . ليس حسن الوزن .
- وان صح ما قاله . فهذا أمر لا يمكن أن يخلو منه شعر فحول الشعراء . فأي شاعر مهما كانت مكانته . يمكن استخراج سقطات فنية من شعره ولكن هذا لا يسقطه كشاعر كبير ..
الا أن أخانا ذاك . بزعم انه دارس للشعر والأوزان والبحور . أراد أن ينفي عنه تماما صفة الشاعر . لمجرد وجود بيت غير موزون بالقصيدة - ان صح ادعاؤه - .
هذا ليس نقدا وانما هو هدم . حقد علي شاعر محبوب أمي موهوب ، وصاحبنا خريج كلية اللغة العربية ، لا يمتلك مثل موهبته الشعرية ، ويريد اسقاط شاعر بتجريده من صفته . لمجرد ملحوظة نقدية – لو صحت - .

في أي مجلس أو أي منتدي . يتكلم فيه انسان كلاما معقولا جدا وعن علم . باستطاعة أي شخص قوي الشخصية . وان لم يكن عالما بما يقال ، ولا علي قدر كاف من الثقافة . أن يعقب قائلا :
" هذا الكلام لا أساس له من الصحة ، من أوله لآخره " ..! .. يفولها بصوت نافذ حازم حاسم واثق ..وبدون ذكر اسباب ، - وقد يكون مثقفا سفسطائيا ، ويسفسط أسبابا .. ! وهذا يكفي لاحداث بلبلة وتشكيك كبير لدي الحاضرين ! – وسيجد من ينجرون خلفه من عامة الحضور ، وربما يؤيده البعض من العقلاء أيضا ! .. وكما يقول المثل المصري : " العيار – أي الطلق الناري - اللي ما يصيب ، يدوش – أي يثير الانزعاج والقلق - " ...
----
بظرف وببراء الأطفال . قالت الطفلة ذات الخمس سنوت من العمر . لأمها : " يا ست ماما . ألا تعرفي ان فازة الزهور . الزجاجية . سوف تعرضينها للكسر . ؟! ، لقد وضعتيها في مكان . تكثر فيه تحركاتنا . ! يمكنك أن تنقليها هنا ، أو هنا ، أو هناك – وأشارت بيدها نحو الأماكن المقترحة – . "
تأملت الأم ما قالته طفلتها . ثم ابتسمت بسعادة . وهزت رأسها موافقة علي الاقتراح .
= ما قالته الطفلة هو : نقد
فقد أشارت الي خطأ . وبينت السبب والخطورة المتوقعة . وزادت أن اقترحت تصحيحا للخطأ ، بطرح بدائل .
ماذا يكون النقد اكثر من ذلك ؟
النقد - البناء ، أو غيره - موجود بكل مكان في حياتنا . . بالبيت ، بالحقل ، بالمصنع ، بالشارع ، بالحافلة ، بالحانة ، بالمعبد ، بالنادي .. بكل مكان .
يمارسه الناس جميعا . وليس حكرا علي أحد . والعبرة بالاخلاص والأمانة .
... ... ...
****************
تعليقات القراء بموقع الحوار المتمدن
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=240033


العدد: 200336 1 - ترحيب حار

2010 / 12 / 30 - 06:14
التحكم: الحوار المتمدن منصور المنسي
أستاذنا الكبير صلاح
أولاً أرحب بعودتكم إلى قرائكم الذين لا يستغنون عن الفكر الثري الذي تقدمونه لهم ، وأقول لقد طالت غيبتكم حتى قاربت الشهور الأربعة ورغم أني كنت أتابع كتابتكم من خلال مدونتكم الخاصة ولكن وجود إسمكم يزين صفحات الحوار هو أمر من الأهمية بمكان .
ثانياً سيدي هناك هجمة الآن مدعومة على كل قلم تنويري بعض القائمين بها يدعون أنهم متخصصون ولكنهم يكتبون بالسكين وليس بالقلم . متزمتون سلفيون ذئاب في داخل فروة حملان يريدون العودة إلى المربع الأول مربع البداوة والجهل بإسم الدين وموائمة الفكر الماركسي معه في حركة تناقض طبيعة الأشياء فلم يصل علمي بأن هناك من إجتهد في الماركسية وجعلها مبدأ يطرح في الجوامع ويصلح لخطبة الجمعة ويمجد السيف ويحول المحاريث إلى سيوف . وبالمقابل لم أجد أي تقدم في الخطاب الديني بحيث يجعل الدين قابل للتطور والتصالح مع الفكر الفلسفي والنقاش الموضوعي ما دام يصر أنه يمتلك الحقيقة المطلقة مما يتعارض وبشكل صارخ مع الجدلية الماركسية والإختلاف والمادية
إنهم يشبهون الأمثال التي في مقالتكم من مدعيي التخصص لذا أجد أن المقال الثاني يجب أن يتناولهم كتكملة للموضوع . إحترامي


--------------------------------------------------------------------------------



العدد: 200373 2 - اهلاً وسهلاً بالعودة

2010 / 12 / 30 - 09:56
التحكم: الحوار المتمدن سامي غطاس
الاستاذ القدير صلاح
كم انا سعيد بإطلالك علينا بعد فترة طويلة إفتقدناك خلالها.
اتمنى الا يطول غيابك مرة اٌخرى.تحياتى لشخصٌكم الكريم

--------------------------------------------------------------------------------


العدد: 200381 3 - مرحبا بالعوده مجددا

2010 / 12 / 30 - 10:23
التحكم: الحوار المتمدن سيد سيد
أستاذ صلاح الحوار المتمدن هو بيتك حيث يزورها كل الناس من جميع الدول بعكس مدونتك
أيضا لماذا لم تقم عمل حساب على اليوتيوب كما أقترحت عليك سابقا؟
شكرا لك
--------------------------------------------------------------------------------

العدد: 200419 4 - أنعشتنا عودتك

2010 / 12 / 30 - 12:30
التحكم: الحوار المتمدن رعد الحافظ
يااااااااااااه
كنتُ أشعر أنّ مكانكَ خالي جداً , لايستطيع أحد أن يجلس فيه أو حتى يقرب منهُ
لكن لم أكن أدري أنّي مشتاق جداً لكتاباتكَ
أنتَ رائع بكل ماتكتب أستاذي صلاح محسن
هؤلاء العمالقة الذين تحدثت عنهم , أسماؤهم حُفِرَت في ذاكرة شعوبنا
بينما ناقدهم (( المنتقي , الكيدي )) لا يذكر أحدنا ما إسمهُ هههههههه
*****
أنا أقلك شيء مشابه يحدث هذه الأيام هنا في موقع الحوار
لكن قصدهم هذهِ المرّة ليس نقداً أبداً , يا ريت كان نقد
بل يقصدون إشغال الآخرين عن أهدافهم وتشتيت أفكارهم وحصرهم في دائرة ضيقة يسهل فيها خنقهم , و لن ينجحوا طبعاً
تحياتي لعودتكَ الظافرة


--------------------------------------------------------------------------------


العدد: 200459 5 - كل عام وأنتم بخير

2010 / 12 / 30 - 14:59
التحكم: الحوار المتمدن عدلي جندي
متعتك آلهة المحبة والسلام بكل غالي ونفيس كما تمتع عقولنا بالسهل الممتنع مرحب بعودة الأستاذ


--------------------------------------------------------------------------------

العدد: 200532 6 - الف هلا

2010 / 12 / 30 - 17:55
التحكم: الحوار المتمدن كمال بربات
ابن حلال بذكرك , كما نقول
قيل يومين وفي الحوار مع الاستاذ رزكار ,تساءلت في تعليقي عن سبب غيابك وعللته باجتهاد مني ...لاادري ان كنت مصيبا فيه ام لا ...
المهم هو ان عيوننا اكتحلت بعودتك ... وها انت تغني الحوار المتمدن بعودتك الميمونة , وعسى ان لا تحرمنا ثانية من مقالاتك التي ننتظرها بلهفة.
تحياتي


--------------------------------------------------------------------------------