الاثنين، 2 أغسطس 2010

الكلاسيكية في التنوير ، والفن ، والأدب

كتب : صلاح الدين محسن
31-7-2010


الحياة مراحل وعصور . تختلف من مرحلة لأخري ومن عصر لآخر
والمشاريع الكبري تحتاج في أحيان كثيرة الي مراحل حتي تتحق .
فان بدأت مرحلة ثانية – أو عصر ، أو جيل جديد – فيجب افساح الطريق له .او التحي ، ان لم يكن بمقدورنا ملاحقته ومسايرته . والا فنحن ضد التقدم .
وكذلك يجب عدم التارجح بين المرحلتين المنتهية ، والجديدة .. فتلك عرقلة واعاقة لاكمال المشروع ، وتعطيل للتقدم نحو مرحلة تالية ، أكثر تقدما .
والتنوير بحقيقة تاريخ البدو ، وحقيقة معتقدهم البدائي وجهلهم المقدس بقوة السيف . بدأت حركته منذ أكثر من مائة عام . – أواخر القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين-
بدأت المحاولة التنويرية لازاحة جهل صحراوي متكلس منذ 14 قرن . بما نعتبره مرحلة أولي . في شكل خلخلة للمفاهيم ، تشكيك في رواسخ الجهل المقدس الذي أنتجه بدو الصحراء -
كانت المرحلة الأولي تلك . تعتمد علي : التحويم ، الكر والفر ، الاقدام والأدبار ، التقدم ثم التراجع ، الاثبات ثم النفي ، التصريح ثم الانكار والروغان ..
كانت مرحلة .. ومن المفروض أن تبدأ مرحلة اكثر تطورا ، وتقدما للأمام
..
منذ عشر سنوات . ومع ظهور الانترنت . بدأت بالفعل مرحلة جديدة من التنوير . مرحلة ثانية .
تعتمد المرحلة الجديدة علي طرح الحقائق واضحة جلية بلا لف ولا دوران ، وبلا مناورات تعبيرية أو لفظية ، وانما أقوال صريحة ساطعة كاشفة كما النهار ..انه تنوير جديد ، مودرن . -
وكان من واجب التنويريين السالكين طريق المرحلة الأولي . - و ليسوا من أبناء جيلها ..! - أن يعتبروها قد صارت عتيقة . أدت غرضها وانتهت .وعليهم اما اللحاق بالجديد ، أو التوقف لافساح الطريق لمام ما هو عصري ، منعا للاعاقة والعرقلة باحداث البلبلة بالتأرجح بين مرحلتين . انتهت صلاحية احداهما .
فان كانت لديهم ظروفهم – أو قدراتهم - الخاصة . التي لا تساعدهم علي اللحاق بالجديد . فيمكنهم التوقف . والحفاظ علي الكلاسيكي الذي قدموه . محترما ومشكورا جدا ..
-
الكلاسيكية في الفن :
-----------
اعتزل نجم كبير في سماء الطرب ، في بدايات الخمسينيات من القرن الماضي . بعدما أعلن لأحبائه من الصحفيين . وبشجاعة رائعة : " لقد بدأ عصر جديد من الغناء . وسوف أعتزل .. " واعتزل بالفعل .
توقف تماما عن الغناء . وهو نجم الطرب في الأربعينيات من القرن الماضي . وصاحب الصوت الذهبي ، كان يسمي " ساحر النساء " . " انه المطرب عبد الغني السيد "- من ضمن روائع أغانيه : “ البيض الأمارة والسمر العذاري " ، و " بايعني ولا شاريني ، علي برك و رسيني " ، وغيرهما من الروائع الغنائية الكلاسيكية
بمجرد أن سمع نجم نجوم الطرب هذا . أغنية لمطرب شاب – . وقتذاك – اسمه " عبد الحليم حافظ " .. لحن جديد – لملحن شاب . صديقه – كمال الطويل - ،أغنية " علي قد الشوق " وهي من باكورة روائع غناء عبد الحليم حافظ
اعتزل صاحب الصوت الذهبي . بحكمة وشجاعة ... لقد استفاد من درس سلطانة الطرب – منيرة المهدية – التي أساءت لنفسها . عندما لم تسارع بالاعتزال فور ظهور عصر جديد في الطرب اسمه : أم كلثوم "

الكلاسيكية في الأدب :
بعدما تقدم نجيب محفوظ . في السن . وجد أن الادباء الشبان قد ابتكروا نوعا جديدا ، وعبقريا . من أدب القصة . اسمه " القصة القصيرة جدا “ . - قصة تكتب في سطور قد لا تزيد عن خمسة سطور . بدلا من القصص القصيرة . التي قد تصل لخمس صفحات أو أكثر -
فدخل الأديب العجوز – محفوظ - الحلبة وساير الجديد . وكتب رائعته . في القصص القصيرة جدا . " والتي عنوانها " أصداء السيرة الذاتية
ولكنه عاد في آخر عملين له " فتوة العطوف " - رواية - الي كلاسيكيات التفكير . – و في " أحلام فترة النقاهة " - قصص حديثة من النوع القصير جدا … ، وباستثناءات شحيحة . كانت قصص ذاك العمل – الأخير - كلها تدور في أزمان مضي علي بعضها أكثر من نصف قرن ..!فلم أجد بها سوي حداثة القالب . بينما عقل الأديب الكبير ، كان غائصا في القديم وسط الناس والاحداث التي ذهبت ! بدلا من توظيف حديث فن القصة . لخدمة حديث القضايا التي يعيشها بين مجتمعه
وهذا عكس ما فعله " توفيق الحكيم “ . الذي تابعت مقالاته بجريدة الأهرام التي كتبها في نهاية حياته . حتي وافته المنية .
لم يكن " الحكيم " يكتب كرجل عجوز في انتظار الموت ليسلمه للقبر
بل كنت أشعر بأنني أمام شاب في مقتبل العشرينيات من عمره ..! لأن " توفيق الحكيم " كان يتناول القضايا ، الجارية وقتذاك . بكتابة سلسة عذبة.. و بجرأة وحيوية شاب . ينظر للأمام ، و يتطلع للمستقبل (!) . .

الكلاسيكية في الشعر :
بعدما سخر الساخرون كثيرا من الشعر الحديث ومن شعراء الحداثة . انحسمت المعركة في النهاية . لصالح الشعر الحديث . وانزوي من يكتبون الشعر الكلاسيكي ، وقل عددهم جدا .. وايا كانت تحفظاتنا نحن او غيرنا . علي الشعر الحديث . الا أن عصرا جديدا في الشعر قد سار ، وشعراء الحداثة تسيدوا الساحة الشعرية الآن .. انه عصر شعري جديد ..

لقد بدأت مرحلة جديدة من التنوير . منذ قرابة عشر سنوات ، عصر جديد يختلف عن الكتابات الكلاسيكية . التي يرجع ميلادها لمائة سنة مضت بل و أكثر..
وقاد تلك العملية الجديدة كوكبة من المفكرين والكتاب التنويريين الذين نشرت كتاباتهم بالانترنت في النصف الأول - من هذا العقد . . وبدايات النصف الثاني منه . حوالي ما بين عام 2000 : 2007 . تقريبا .
وقد خرجت دفعة كبيرة من الكتاب التنويريين الجدد الرائعين . منذ ما بين عام مضي و عامين ، يعتمدون علي النهج التنويري الجديد في الكتابة التي لا تعرف اللجاجة أو المهادنة ولا تقر تكتيك تكرار ومواصلة التخبط بين التراجع والانسحاب تارة ، و العودة والتقدم تارة أخري (!)
ومن بين هؤلاء الكتاب الجدد البواسل . كتاب وكاتبات خرجو من جوف قلعة الظلام والاظلام البدوي الصحراوي .هؤلاء يستحقون التحية والاكبار حتي وان كتبوا بأسماء غير حقيقية . فذاك أفضل وانفع من تنويريين متمسكين بالمرحلة الابتدائية .. و يدورون حول أنفسهم ، ولا يرغبون في الخروج من تلك الحلقة المفرغة . مستغلين قدرتهم الفذة علي الابهار بذاك الدوران حول النفس ..(!) .

أخذ التنويريون الجدد . بقول " أبو القاسم الشابي " :
" " اذا ما طمحت الي غاية … لبست المني وخلعت الحذر
ولقد خلعوا الحذر تماما ...

هناك اناس لو لبس أحدهم الطربوش . الذي انتهي زمنه . وراحت دواعي لبسه .. لوجد من ينبهروا بالطربوش فوق رأسه ! ويمتدحونه هو والطربوش . قائلين : انه الحكمة والعقل والرزانة و الأصالة ، انه الوقار ، انه الهيبة ، و الاحترام ..!) ويشنون حملة علي سافري الرؤوس .. متهمين اياهم بصفات هي العكس (!) ..
وقد آن الوقت للكتاب والباحثين عشاق القديم – وما أضأل عددهم الآن بالنسبة للتنويريين الجدد الذين ينتشرون و يتكاثرون بسرعة وبتمكن واقتدار ، ويزدادون بشكل مبشر - . . آن للكلاسيكيين . أن يكفوا . عن لبس طربوش التنوير .. وعليهم أن يعلموا انه قد بدأ و منذ سنوات عصر تنويري جديد . والاندماج في العصر الجديد ، أو التوقف .. : كلاهما أكرم من الاصرار علي لبس الطربوش .
وعليهم أن يدعوا جانبا . طريقة الملك حسين . ملك الأردن . السابق . - وكذلك ملك البحرين . مثله .. – والذي كان تارة يرتدي البدلة والكرافتة ، وتارة ثانية يرتدي اللبس البدوي ذا العقال ، وتارة ثالثة يرتدي بدلة وكرافتة وفوقها العقال البدوي !، ..(!)
----
ان أعظم المفكرين ( والفلاسفة ، وعظماء الفنانين والعلماء ، وحملة لقب : “ أنبياء ومرسلون " ) هاجروا تاركين أوطانهم . عندما اقتضت الضرورة . وخير من بقوا - وخير من هاجروا - هم : من لم يتخذوا من علة القهر بالوطن الذي يحبون البقاء فيه . رغم علته ، ذريعة لصناعة أرجوحة لهم . من عظام أمانة وشفافية الكلمة ، ومن حطام سفينة الفكر ..
– – --
كان دكتور كامل النجار . محبا للدكتور سيد القمني .. عندما نشر مقاله المعنون "
الدكتور سيد القمني وتخلف المسلمين
الحوار المتمدن - العدد: 3077 - 2010 / 7 / 28
وكذلك كانت دكتورة وفاء سلطان . مخلصة . في تعليقها علي ذاك المقال والذي جاء فيه :
أتفق مع كل حرف كتبته، وأنا بدوري أحترم وأقدّر الدكتور القمني، ولكن لا أعرف
ما الذي يدفع بإنسان متمكن مثله لأن يقوض من مصداقيته التي خاطر بحياته ليبني عرشها في مقالة واحدة. .. .. آملة في أن يعيد السيد الدكتور القمني النظر فيما كتب مؤخرا
-- --
ان ظهور عدد كبير من الكتاب التنويريين الجدد . الأقوياء . في العامين الماضيين فقط . وافلات الزمام من انصار الظلام . أمام جيش كتاب ومفكري التنوير الجديد . وتجاسر أفراد من الطوائف العقائدية الصغيرة المستصعفة . علي دخول ساحة الكتابة في التنوير الجديد ، وهم يشيرون باصابعهم لغول البداوة الصحراوية ويقولن له في عينه : " أنت غول بشع مكانك في الغابات أو الفيافي " . بعدما كان هؤلاء لا يجرؤون علي ان ينبسوا بحرف واحد .. من قبل أن يشق الطريق أمامهم ويذلل تماما ، بأقلام التنويريين الجدد . . وهذا دليل . في رأينا . عل أن المرحلة الثانية من التنوير . قد اكتملت – أو أوشكت علي الاكتمال . واننا بصدد الدخول في المرحلة ثالثة . التي نظنها المرحلة الأخيرة .. : مرحلة الحسم والتحول النهائي من ظلام البداوة لنور العصرية والتمدن والحضارة الحديثة واللحاق بأمم العالم المتمدين.
فهل يجب أن نعود لنصول ونجول كما الفرسان . في القديم من المرحلة الأولي الابتدائية من التنوير ؟! أم نعد أنفسنا للمشاركة في مرحلة ثالثة . نحو تحول مجري التاريخ ، والانطلاق صوب النور ؟!
***************