السبت، 3 يوليو 2010

إنهم يستحقون الاهتمام .. (..!!..)..

بقلم : سامح عوده – فلسطين

أمين سر جمعية قلقيلية الخيرية للمكفوفين



مرَّ الشعب الفلسطيني ومنذ القرن الماضي بعدة نكبات ونكسات أدت إلى أزمات عصفت بأركانه، كان أبرزها وقوع فلسطين تحت الاحتلال الإسرائيلي، وعبر فترات النضال المتواصلة التي خاضها شعبنا خلفت شهداء وجرحى ومعاقين، بفعل آلة الاحتلال وقمعه الذي لم يتوقف، تراكمت جيوش من المعاقين صنفت على أن إعاقتهم هي الأخطر عالمياً ، ومن بين تصنيفات جيوش المعاقين فئة المكفوفين .

لم أرغب بأن تكون مقدمتي درساً في علم الاجتماع بل اخترتها مقدمة في السياسة تضع النقاط على الحروف ، لأن الاحتلال هو الأساس في مصائبنا إذا ما قرأنا الواقع بموضوعية، وحتى لا أسهب في السياسة كثيراً تقسم أسباب الإعاقة البصرية إلى عدة أسباب منها إعاقة بصرية بالوراثة وهي قليلة جداً، وأخرى بفعل قمع الاحتلال واستخدام جنون آلته العسكرية في قمع الفلسطينيين، وفئة أخرى حالت ظروف الحصار الذي تفرضه إسرائيل على الأراضي الفلسطينية دون تلقيهم للعلاج مما أفقدهم نعمة البصر التي ننعم بها.

أياً كانت أسباب الإعاقة فان هناك شريحة كبيرة في المجتمع الفلسطيني تعيش على هامش الحياة، تعاني من فقدان البصر ، نظراً لقلة الإحصائيات وقلة الدراسات في مجال الإعاقة البصرية والتي تفتقد لها المكتبة الفلسطينية لم نجد رقماً يمكن البناء عليه في تحديد حجم هذه الفئة، وهذا يعكس مدى التهميش لهم، ومن الأرقام التي وجدتها في متناول يدي عن عدد المعاقين بصرياً في فلسطين ( 4004 ) معاقاً في العام 2001 م، وبالتأكيد إذا ما تم إجراء مسح شامل لأعداد المعاقين بصرياً في فلسطين فان الأرقام سنجدها تضاعفت مرة أو مرتين .

مع قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية في العام 1994 م ساهمت المؤسسة الرسمية ومنظمات المجتمع المدني الفلسطيني والمؤسسات العاملة مع المعاقين إلى إحداث ثورة في برامج التوعية والدعم والمساندة للمعاقين، حيث قدمت برامج دعم تأهيلية للمعاقين، ولا ننكر بأن ملايين الدولارات أنفقت على هذه البرامج، بالمجمل العام يشكل المعاقون بصرياً عشر فئات المعاقين في المجتمع الفلسطيني، وهنا لا بد من أن نطرح سؤلاً هاماً : بما أن المعاقين بصرياً يشكلون عشر فئات المعاقين الفلسطينيين ، فمن حقهم أن يحصلوا على عشر البرامج المقدمة، فهل البرامج التي خصصت لهم تتناسب وحجمهم الحقيقي في المجتمع الفلسطيني ؟

أكاد أجزم بأنه لم يخصص لهم من هذه البرامج سوى فتتات الفتات، متناسين بأن هذه الفئة التي لها وزن في مجتمعنا لها حق كباقي الفئات المهمشة ..!!

ربما هذه السطور تغضب البعض .. إلا أن الشمس لا تغطى بغربال، وإذا ما عدنا بالذاكرة إلى الوراء عاماً مضى ومحصنا في جميع البرامج المقدمة للمعاقين، من توعية ودمج وإرشاد سنجد أن إجمالي ما قدم لا يتعدى الصفر بقليل، وفي محاولتنا للبحث عن أسباب هذا الإجحاف لم نصل إلى جواب يقين، كون الهروب في الإجابة هو سيد الموقف، والمسوغات التي تقدم تبعثُ في النفس الغصة جاهزة..!!

من المهم الانتباه إلى أن هناك جمعيات ومدارس خاصة بالمعاقين أنشئت في فلسطين مع بداية القرن الماضي وقد تكون الأولى على مستوى الوطن العربي، إلا أنها ظلت على حالها، لأن معظمها يعتمد طابعاً اغاثياً ( على الصدقات ) من أهل الخير الذين يجودون من أموالهم، ولهذا السبب فلم نجد أياً من هذه المؤسسات قد لمع نجمها، وظلت تلك المؤسسات على حالها تتبعُ نمطاً تقليدياً في تقديم الخدمة ، الأمر الذي أبقاها مهمشة تنتظر يد العون والمساندة، وهذا الأمر جعل الكثير من الأسر تتحمل أعباءً ثقيلةً في الاهتمام بأبنائها بإبقائهم خارج نطاق رعاية مؤسسات المكفوفين، ولو أجري مسح لواقع هذه الفئة في الأراضي الفلسطينية ستجد أن المئات منهم ممن تجاوزوا سن الثلاثين عاماً هم على هامش الحياة لم يتلقوا أي تعليم أو تدريب يؤهلهم ليكونوا أعضاءً فاعلين في المجتمع يساهمون في عملية التنمية والبناء شأنهم شأن باقي الشرائح الأخرى .

وقد يظن البعض بأن مشاركة المعاقين بشكل عام في عملية التنمية شيء ثانوي ..!! لا جدوى منها ، لذلك سأطلب من هؤلاء الإمعان أكثر في المعاقين الذين حقق جزء منهم نجاحات فاقت كل التوقعات، وعن المعاقين بصرياً نعم صحيح أنهم محرمون من نعمة البصر لكن الله سبحانه وتعالى عوضهم عنها بنعمة أهم هي نعمة البصيرة ..!! التي يفتقدُ إليها كثيرٌ من المبصرين، وإذا حاولنا قراءة الوقع بموضوعية ستجد أن الكثير منهم لديهم ابداعات مذهلة يعجز الكثير من الأصحاء القيام بما يقومون به، وفي دائرة صغيرة على سبيل المثال لا الحصر ستجد كفيفياً يستخدم المنشار الكهربائي في مهنه أكثر من غيره، وإذا دققت أكثر في نفس الدائرة ستجد سيدة كفيفة تكتب أعمالاً مسرحية وأدبية حصلت من خلال أعمالها على أفضل الجوائز .

وحتى لا نغرق في بحر من التأويلات ونتوه عن الهدف العام للمقال فان هناك سؤال مهم يدق ناقوس أذهاننا : وما هو المطلوب من أجل هذه الشريحة ؟

المطلوب أشياء كثيرة وليس شيء واحد، وعلى الجميع الوقوف عند مسؤوليته ، فأول المطلوب اعترافٌ ضمني بأهمية الكفيف كفرد من أفراد المجتمع، وهذا الأمر ليس من باب ( المنة ) ، وإجراء مسح شامل لواقع الكفيف الفلسطيني وذلك للحصول على قاعدة بيانات أساسية تكون نواة للبناء عليها في المستقبل للبحث العلمي من أجل التخطيط لتأهيلهم ودمجهم في المجتمع، وسد النقص الذي تعاني منه المكتبة الفلسطينية.

ومن المهم ونظراً لخصوصية هذه الفئة أن تتكاتف جهود المؤسسة الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني ورأس المال الفلسطيني لإعادة صياغة واقع الكفيف الفلسطيني وفق رؤيا علمية صحية مع إعادة النظر في واقع المؤسسة الرسمية والأهلية الراعية لهم بحيث يتم إعادة هيكلتها بطريقة منهجية صحية – من خلال إعادة النظر في الأبنية والوسائل المساندة وتأهيل الكادر بشكل علمي ومدروس - لتكون قــادرة على استيعاب كافة المعاقين بصرياً وتحقيق الدمج المطلوب لهم في المجتمع الفلسطيني ، وللأفراد وللمؤسسات الذين يتحملون أعباء الاهتمام بالمكفوفين عليهم أن يسرعوا في تشكيل اتحاد فلسطيني خاص بالكفيف يكون مقدمة للانخراط في الاتحاد العربي للكفيف، ليكون عنوانكم واضحاً لا لبس فيه إنكم تستحقون الاهتمام ..!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق