بقلم: د. نزار احمد
صوت العراق -22/9/2010
أولا وقبل كل شيء, هذه الدراسة ليست دفاعا عن حكومات الاسلام السياسي او الحكومات الشمولية التي سبقتها فغرضها وضع النقاط على الحروف ليس الا. لهذا تتناقل وسائل الاعلام العراقية والشارع العراقي انباء متضاربة حول حجم الفساد المالي لحكومات السبع سنوات الماضية ومع قناعة تفشي الفساد وسوء الادارة يظل السؤال الذي نحاول الاجابة عنه هو ما حجم هذا الفساد ؟. زائدا ما علاقة هذا الفساد بتردي الاقتصاد العراقي وازدياد نسبة الفقر ونقص الخدمات؟ وهل هناك فرصة حقيقية للنهوض به؟. كذلك ومنذ بدء الحملة الانتخابية لانتخابات آذار وما لحقها من ازمة تشكيل الحكومة نجد ساسة العراق يتراشقون التهم بخصوص الاموال المهدرة ويتسابقون بوعودهم للشعب بغد مترفهٍ ومتبحح حال استلامهم مقاليد السلطة. وحتى نضع النقاط على الحروف نقدم هذه الدراسة لعائدات العراق النفطية منذ عام 1930 وحتى يومنا هذا مستخدمين قاسما مشتركا وهو دخل المواطن العراقي زائدا عائدات النفط المعدلة قياسا لمعدلات التضخم والعدد السكاني زائدا احتياجات العائلة العراقية الاستهلاكية وحجم انتاجية المنتج المحلي مضافا اليها كلفة المشاريع المنفذة. ايضا وبما ان العراق وحيد الدخل حيث منذ نشأة الدولة العراقية وحتى يومنا هذا تشكل عائدات النفط اكثر من 95% من دخل الدولة الرسمي. ولذلك فأن مقارنة معدل دخل المواطن العراقي من عائدات النفط تمثل مؤشرا حقيقيا على حجم الفساد او سوء الادارة مقارنة للحكومات التي تلاحقت على حكم العراق منذ عام 1930 خصوصا اذا قارناها بمعدل الفقر ونقص الخدمات وحجم المشاريع المنفذة. وبما ان قيمة الدولار الحقيقية تتغير مع الزمن وذلك نتيجة التضخم فقد استخدما معدلات التضخم العالمية للسنوات الثمانين الماضية في حساباتنا لمعدل دخل المواطن العراقي فمثلا الدولار الواحد عام 1968 يساوي 6.29 دولار في سعر اليوم او بمعنى آخر البضاعة التي كان ثمنها دولار عام 1968 اصبح ثمنها 6.29 دولارا في سوق اليوم. ايضا في دراستنا هذه اخذنا بنظر الاعتبار عدد نفوس العراق للسنوات مابين 1930-2010 والذي يتزايد بنسبة 2.95% في السنة الواحدة. ايضا سوف نبين حجم الاموال التي خسرها العراق نتيجة حماقات صدام حسين والتي سوف تشكل للقارئ صدمة حيث يكثر الحديث عن جرائم صدام ضد الانسانية ولكن قلما نجد دراسة اقتصادية تطرقت للخسائر المالية. ايضا في هذه الدراسة سوف يتضح للقارئ الكريم الاسباب الحقيقية وراء حروب صدام الدامية, ولتسهيل المقارنة سوف اقسم الحقبة الزمنية مابين 1930 -2010 الى تسع حقبات تأريخية وهي 1930-1958 (العهد الملكي), 1958-1963 (العهد القاسمي), 1963-1968 (العهد العارفي), 1968-1973 (حكم البكر قبل الحصار النفطي), 1973-1979 (حكم البكر بعد الحصار النفطي), 1979-1980 (صدام حسين قبل الحروب), 1980-1990 (صدام حسين-الحرب الايرانية), 1991-2003 (صدام حسين-الحصار), 2003-2010 (ما بعد التحرير).
معدل عائدات النفط السنوية للفرد العراقي والتي هي نفسها معدل دخل المواطن العراقي لأن عائدات النفط تمثل 95% من دخل الدولة العراقية خلال الحقبات الزمنية اعلاه بعد تعديل الارقام استنادا الى معدلات التضخم العالمية والاخذ بنظر الاعتبارعدد نفوس العراق لكل حقبة زمنية كانت كما يلي:
1930-1958= 188 دولار للفرد الواحد
1958-1993= 790 دولار للفرد الواحد
1963-1968= 963 دولار للفرد الواحد
1968-1973=1,082 دولار للفرد الواحد
1973-1979= 3,110 دولار للفرد الواحد
1979-1980= 7,564 دولار للفرد الواحد
1980-1990= 2,147 دولار للفرد الواحد
1991-2003= 263 دولار للفرد الواحد, بعد طرح التعويضات
2003-2010= 1,163 دولار للفرد الواحد بعد طرح مبالغ التعويضات
افضل طريقة لاستيعاب حجم عوائد النفط المتوفرة للحكومات العراقية هي تعديل عائدات النفط استنادا الى الزيادة الحاصلة في نفوس العراق والاخذ بمعدلات التضخم العالمية وذلك عن طريق ضرب معدلات الانتاج بمؤشر الزيادة في نفوس العراق ومؤشر التضخم المتراكم. فمثلا خلال فترة الحكم الملكي كان معدل صادرات النفط العراقي 140 الف برميل يوميا, بينما كان معدل سعر البرميل 2.1 دولار بينما كان معدل نفوس العراق 4.8 مليون نسمة. وعليه فان واردات العراق النفطية كانت 140 مليون دولار سنويا وتصبح 1.13 مليار دولار بعد تعديلها بالنسبة الى معدلات التضخم المتراكمة. واذا افترضنا مجازا بأن نفوس العراق في فترة العهد الملكي كانت 32 مليون نسمة بدلا من العدد الحقيقي لسكان العراق في وقتها فأن معدل واردات النفط تصبح وكأنها 7.5 مليار دولار بعد ضربها بمعدلات التضخم والتزايد السكاني فعندما نقارن هذا الرقم مع واردات العراق الحالية فأن المقارنة تكون متطابقة.
وعند حسابنا لمعدلات واردات العراق النفطية السنوية بعد تعديلها لزيادات التضخم والتعداد السكاني نجدها كالآتي:
1930-1958= 7.46 مليار دولار سنويا
1958-1993= 25.3 مليار دولار سنويا
1963-1968= 30.96 مليار دولار سنويا
1968-1973=34.74 مليار دولار سنويا
1973-1979= 100.09 مليار دولار سنويا
1979-1980= 242.49 مليار دولار سنويا
1980-1990= 65.5 مليار دولار سنويا
1991-2003= 9.96 مليار دولار سنويا بعد طرح مبالغ التعويضات
2003-2010= 37.9 مليار دولار سنويا بعد طرح مبالغ التعويضات
الايرادات النفطية السنوية المعدلة المتوفرة لحكومات ما بعد التحرير (بريمر=13.95 مليار دولار, علاوي=28.76 مليار, الجعفري=33.64 مليار, المالكي=46.15 مليار) كانت قريبة الى نوع ما من ايرادات حكومات قاسم والعارفين والبكر قبل الطفرة النوعية باسعار النفط (ما بعد 1973) مع عدم الاخذ بنظر الاعتبار تغير احتياجات العائلة العراقية وانتاجية السوق العراقي والتي سوف نتطرق اليهما لاحقا. ايضا هذه العائدات هي اقل من العائدات المتوفرة لحكومة البكر بعد عام 1973 بمرتين ونصف وهي ايضا اقل من العائدات المتوفرة لصدام حسين قبل الحرب الايرانية بست مرات. ولكي يستعيد الاقتصاد العراقي عافيته التي شهدها اثناء حكم البكر خلال السنوات (1973-1979) فأن العراق بحاجة الى زيادة صادرات نفطه الى ستة ملايين برميل يوميا زائدا مليونين برميل اضافية تستخدم لبناء بنيته التحتية المتصدية. اما اذا اردنا استعادت العصر الذهبي (اقتصاديا وليس سياسيا) والذي شهده خلال الاعوام (1978-1980) فأن العراق بحاجة الى زيادة صادرات نفطه الى 13 مليون برميل في اليوم الواحد (15% من احتياجات السوق العالمية) الا اذا وجد العراق مواردا اضافية بجانب النفط.
طبعا حساب حجم الفساد ونسبة الفقر ومعدل دخل المواطن بحاجة الى معادلة معقدة تتحكم بها نسبة البضائع الاستهلاكية المستوردة والمنتجة محليا زائدا حجم الاموال المخصصة لبناء وادامة البنية التحتية والتسليح ومستهلكات دوائر الدولة المستوردة زائدا صادرات العراق والتي تقتصر على صادرات النفط. فاذا اخذنا بنظر الاعتبار التغير الحاصل في نمط معيشة المواطن العراقي كاحتياجاته للاجهزة الالكترونية ووسائل الراحة الاخرى زائدا القدرة الانتاجية للسوق العراقية فأن نسبة ما هو مصنع محليا من احتياجات العائلة العراقي (الاكتفاء الذاتي) كانت حوالي 90% في العهد الملكي نتيجة بساطة وبدائية نمط الحياة ولكن مع التطور الحاصل في نمط حياة العائلة العراقية وحاجتها الى الادوات والاجهزة الصناعية والالكترونية زائدا تطور تكنلوجيا الخدمات كالصحة مثلا فأن نسب الاكتفاء الذاتي بدأت بالانخفاض تدريجيا حتى وصلت الى نسبة 50% في عهد البكر(1973-1979). ثم انخفضت انخفاضا حادا اثناء الحرب الايرانية حيث وصلت الى نسبة 30% وذلك لانشغال القوى العاملة في ديمومة جيش واجهزة امن صدام ومصانع تصنيعه العسكري. اما اثناء فترة الحصار (1991-2003) فتوقفت عقارب الساعة للاقتصاد العراقي. كذلك اذا افترضنا ان معدل عدد افراد العائلة العراقية يتكون من ستة افراد وأخذا بتغيير نمط حياة المواطن ومعدلات التضخم فأن ايرادات العائلة السنوية حتى تتمكن من التمتع بمعيشة مترفة (اشبه بمعيشة نهاية السبعينات حيث كان متوسط دخل العائلة العراقية 29 الف دولار) هي كما يلي: العهد الملكي=18 الف دولار, العهد القاسمي=21 الف دولار, العهد العارفي =23 الف دولار, عهد البكر (1968-1973)=27 الف دولار, عهد البكر (1973-1979)=29 الف دولار, عهد صدام (1979-1980)=29 الف دولار, عهد صدام (1980-1990)=32 الف دولار, عهد صدام حسين (1991-2003)=35 الف دولار, ما بعد التحرير=37 الف دولار.
قبل الخوض في النقاش التفصيلي لحقبات حكام العراق هناك حقيقة غير قابلة للجدل وهي وحتى استلام صدام حسين للسلطة عام 1979 لم يكن يعرف في العراق فسادا ماليا مستشريا او اختلاسا للمال العام وان حدث فيكون اولا نادرا وثانيا محدودا لايتعدى الراتب الشهري للموظف او المسؤول. حيث كان راتب البكر مع مخصصاته الشهرية يبلغ الف دينار شهريا او (144 الف دولار سنويا بلغة ارقام اليوم) بينما كان معدل دخل العائلة العراقية 200 دينار شهريا او (29 الف دولار سنويا بلغة ارقام اليوم), بينما دخل الاستاذ الجامعي حوالي 60 الف دولار سنويا ودخل المهندس العراقي 45 الف دولار ودخل الطبيب العراقي يصل الى 100 الف دولار ما بين راتبه وواردات عيادته بلغة ارقام اليوم.
العهد الملكي (1930-1958)
للاسف اكثر العهود العراقية التي تعرضت الى الاساءة وتشويه المعلومات هو العهد الملكي حيث العراق لم يكن دولة مصدرة للنفط اطلاقا حيث كانت صادرات العراق النفطية ما بين اعوام 1930-1950 لاتزيد عن الخمسين الف برميل يوميا وكانت اسعار النفط لا تزيد عن الدولارين للبرميل الواحد (20 دولار بسعر اليوم). هذه الصادرات ارتفعت خلال الاعوام 1950-1954 الى مائة الف برميل يوميا ثم ارتفعت بعد ذلك الى نصف مليون برميل يوميا عام 1958. معدل صادرات العراق مابين اعوام 1930-1958 كان 120 الف برميل يوميا وبمعدل سعر مقداره 2.13 دولار للبرميل الواحد (20.33 دولار بسعر اليوم) مما نتج عنها دخلا سنويا مقداره 140 مليون دولار فقط او 1.3 مليار دولار بسعر اليوم. فلو افترضنا ان انتاجية السوق العراقية كانت معدومة فأن عائدات النفط كانت تكفي فقط الى احتياجات 9% من سكان العراق مما يترتب عنها معدل فقر يصل الى 90%. ولكن وبما ان مايقارب التسعين بالمائة من احتياجات العائلة العراقية كانت تصنع محليا وخصوصا الاكتفاء الغذائي فأن عائدات النفط مع ماينتج محليا كانت كافية الى 81% من سكان العراق مما يعني وجود فقر بنسبة 19% اذا افترضنا بأن جميع اموال النفط كانت تصرف على دعم احتياجات القوى الشرائية للعائلة العراقية. ولكن وبما ان 30% من عائدات النفط كانت تصرف على مشاريع البنية التحتية والتسليح فأن نسبة الفقر في العهد الملكي كانت تصل الى 56.8% وذلك ليس لفساد او خيانة او سوء ادارة النظام ولكن لعدم توفر الموارد المالية حيث في وقتها لم تكن السوق العالمية بحاجة الى النفط وهنا لا اعرف لماذا تتهم حكومات العهد الملكي بالخيانة والفساد والعمالة ان كان العراق ليس لديه ايرادات خارجية اصلا حتى تسرق او تهدر او تعطى للاجنبي وكان العراق يعتمد ذاتيا على احتياجاته الاقتصادية وكانت المساعدات المالية التي يتلقاها العراق من الدول الاستعمارية (ان اصح التعبير) تفوق عائداته النفطية وكانت البنية التحية تلبي حاجة البلد وفي تصاعد. فإن كانت الدولة العراقية تحتل المرتبة الاولى في الشرق الاوسط من ناحية النمو والتطور والعمران والمستوى المعيشي وبايرادات نفط لاتزيد عن 1.3 مليار سنويا (بلغة ارقام اليوم) ماذا سيكون حال الشعب العربي اذا توفرت لحكومات العهد الملكي نفس الاموال التي توفرت للدولة العراقية اثناء حكم البكر وصدام والتي بلغت ايرادات النفط فيها اكثر من 60-100 مرة ايرادات النفط اثناء العهد الملكي او حتى عهدي قاسم وعارف عندما كانت ايرادات النفط تصل الى عشرة اضعاف ايرادات العهد الملكي؟. اعتقد نحن شعب نستحق المصائب.
العهد القاسمي (1958-1963)
ازدادت صادرات النفط العراقي خلال العهد القاسمي الى معدل 760 الف برميل يوميا وبمعدل سعر 2.92 دولار للبرميل الواحد (21.58 دولار بسعر اليوم) مما نتج عنها دخلا سنويا مقداره 810 مليون دولار او 5.9 مليار دولار بسعر اليوم. ايضا كان نفوس العراق حوالي سبعة ملايين ونصف نسمة. فلو افترضنا ان انتاجية السوق العراقية معدومة مع تخصيص جميع عائدات النفط لدعم القوى الشرائية للمواطن العراقي فان عائدات النفط كانت تكفي لسد احتياجات 22.8% من سكان العراق ولكن وبما ان انتاجية السوق العراقية كانت تصل الى 80% من حاجات العائلة العراقية اليومية وكانت نسبة الفقر تصل الى 30% فأن ذلك يعني بأن فقط 40% من عائدات النفط كانت تصرف على دعم العائلة العراقية. ايضا دعونا لا نتناسى حصة شركات النفط الاجنبية العاملة في العراق. ولذلك وتماشيا مع نسبة الفقر الرائجة وقتها (30%) فأن حوالي 70% من عائدات النفط كانت تصرف على دعم القوى الشرائية للعائلة العراقية بينما تصرف النسبة الباقية في مشاريع البناء والاعمار وتسليح الجيش حيث هذه الارقام المتراكمة خلال خمس سنوات تبلغ حوالي سبعة مليارات دولار بسعر اليوم وهي في توافق مع المشاريع العمرانية التي نفذت في عهد المرحوم عبد الكريم قاسم. وبما اننا تطرقنا الى دور شركات النفط الاجنبية, هناك حقيقة لا بد لنا من توضيحها وهي صحيح ان ايرادات الدولة في زمن شركات النفط الاجنبية كانت حوالى 20% من سعر النفط في السوق العالمية ولكن اين تذهب نسبة الثمانين بالمائة؟ فهل حقا كانت شركات النفط تستغلنا؟. الجواب يكمن في معرفة كلفة الانتاج مقارنة مع سعر النفط. في وقتها كانت كلفة انتاج البرميل الواحد تصل الى 60-70% من سعر النفط في السوق وذلك لردائة تكنلوجيا الانتاج والتصدير وتردي سعر النفط وضحالة الكميات المنتجة. فمثلا لو كانت اسعار النفط مشابه لاسعار اليوم لكانت عائدات الدولة قد وصلت الى 80% على اقل تقدير وكلما زادت كميات الانتاج كلما زادت معها نسبة حصة العراق لان كلفة الانتاج تتكون من كلفتين الاولى ثابتة بغض النظر عن كمية الانتاج والثانية تعتمد على كمية الانتاج.
العهد العارفي (1963-1968)
العهد العارفي لايختلف اقتصاديا عن العهد القاسمي حيث زادت صادرات النفط لتصل الى 1.15 مليون برميل يوميا صاحبها تزايد سكان العراق زائدا انخفاض نسبة الاكتفاء الذاتي للسوق العراقية وذلك لتغير نمط معيشة العائلة العراقية المرافق للنهضة الصناعية العالمية مع احتفاظ اسعار النفط على معدلات سقفها مع انخفاض طفيف في معدلات التضخم العالمية , فلذلك جاءت ارقام نسبة الفقر والمبالغ المصروفة على البنية التحتية ومشاريع الاعمار والتسليح مشابه الى حد ما ارقام العهد القاسمي.
عهد البكر (1968-1973)
ارتأينا ان نقسم حقبة نظام البكر الى قسمين وذلك نتيجة الطفرة الحاصلة في صادرات النفط العراقية ومعدلات اسعار النفط. اثناء الفترة الزمنية مابين 1968-1973 ارتفعت صادرات النفط العراقي لتصل الى معدل 1.5 برميل يوميا وبمعدل سعر 3.64 دولار للبرميل الواحد (20.01 دولار بسعر اليوم) مما نتج عنها دخلا سنويا وصل الى 2.01 مليار دولار (11.16 دولار بسعر اليوم) رافقه زيادة نفوس العراق (10 مليون نسمة) مع انخفاض انتاجية الاكتفاء الذاتي للسوق العراقية. وبما ان نظام البكر كان يستخدم نصف عائدات النفط لتنفيذ مشاريع الاعمار خصوصا مشاريع زيادة القدرة الانتاجية النفطية والزراعية والصناعات الخفيفة وتأهيل الكوادر الفنية والتقنية والتعليم فأن عائدات النفط نتج عنها فقرا مقداره 25% وهو في توافق مع معدل الفقر في تلك الحقبة الزمنية. ايضا فأن عائدات النفط المخصصة لمشاريع البناء والاعمار والتسليح والتعليم كانت 28 مليار دولار(بسعر اليوم) خلال السنوات الخمس هذه وهي في توافق مع قيمة وحجم المشاريع الاستثمارية وتكاليف تسليح الجيش وبرامج التعليم المنفذة في تلك الفترة.
عهد البكر (1973-1979)
وصلت معدلات صادرات النفط العراقي الى 2.12 برميل يوميا صاحبها ارتفاع حاد في اسعار النفط ليصل الى معدل 12.8 دولار للبرميل الواحد (48.53 دولار في سعر اليوم) مع زيادة نفوس العراق لتصل الى 12 مليون نسمة مع انخفاض انتاجية السوق العراقية الى 50% وذلك لزيادة حاجة العائلة العراقية الى البضائع المستوردة. دخل الدولة العراقية وصل الى 10.08 مليار دولار سنويا (37.8 مليار دولار بسعر اليوم). فلو افترضنا ان جميع عائدات النفط صرفت لدعم احتياجات العائلة العراقية فأن عائدات النفط كانت تكفي لسد احتياجات 65% من العوائل العراقية اذا افترضنا انعدام الناتج المحلي (اي سوق استهلاكي بحت). ولكن وبما ان انتاجية السوق المحلي كانت 50% ونسبة الفقر في زمن البكر (1973-1979) كانت تصل الى عشرة بالمائة فهذا يعني بأن نصف ايرادات النفط كانت تخصص للتسليح والاعمار والاستثمار. اي 30 مليار دولار خلال الست سنوات هذه او 111 مليار في سعر اليوم. وبما ان في تلك الفترة كان العراق يصرف 30% من عائدات نفطه على تسليح الجيش العراقي (ثلاث مليارات دولار سنويا او 10 مليارات دولار سنويا بسعر اليوم) فأن ما خصص للاعمار والبناء (مليارين دولار سنويا او 8 مليارات دولار سنويا في سعر اليوم) يتناسب مع المشاريع المنفذة في تلك الحقبة الزمنية.
حقبة صدام (1979-1980)
على الرغم من ما رافق هذه الفترة من تصفيات جسدية ولكنها اقتصاديا تمثل العصر الذهبي للاقتصاد العراقي حيث هذه هي الفترة الوحيدة التي عبرت بها صادرات النفط حاجز الثلاثة ملايين برميل يوميا. في هذه الفترة كانت صادرات العراق النفطية بمعدل 3.2 برميل يوميا وبمعدل سعر نفط مقداره 31.26 دولار للبرميل الواحد (86.85) دولار بسعر اليوم مما نتج عنه دخلا سنويا مقداره 36.51 مليار دولار او 100.5 مليار دولار بسعر اليوم. مقارنة مع دخل حكومة المالكي من ايرادات النفط واخذا بنظر الاعتبار الزيادة السكانية فأن دخل الحكومة في هذه الفترة يعادل سبع مرات عائدات النفط لحكومة المالكي..او ما يشبه تصدير العراق حاليا لكميات نفط تصل الى 15 مليون برميل يوميا. في هذه الفترة وعلى الرغم من انخفاض انتاجية السوق العراقية من حصتها في احتياجات العائلة العراقية فأن فقط 20% من عائدات النفط كانت كافية لازالة الفقر نهائيا وجعل دخل العائلة العراقية مشابه لمثيلاتها في الدول الاوربية كالسويد وهولندا والنرويج والدنمارك. مما يعني وفرة 60 مليار دولار سنويا (سعر اليوم) كفائض في ميزانية الدولة الاستهلاكية لاستخدامها في التسليح والاعمار والاختلاس.
حقبة صدام (1980-1990)
لهذه الحقبة سوف اقتصر مناقشتي مستخدما الارقام غير المعدلة وذلك لسهولة الفهم. نتيجة اندلاع الحرب الايرانية انخفضت صادرات النفط العراقي الى معدل 1.66 مليون برميل يوميا وذلك لعدم توفر منافذ التصدير حيث تصدير العراق كان مقتصرا فقط على خط الانبوب التركي والذي كانت سعته 800 الف برميل قبل زيادة طاقته التصديرية, زائدا 200 الف برميل يوميا يصدر عبر الشاحنات عن طريق موانئ الاردن زائدا في منتصف الثمانينات تمت اضافة الخط السعودي بطاقة تصدير مقدارها 600 الف برميل يوميا. ايضا في فترة الثمانينات كان معدل سعر النفط 25.3 دولار للبرميل الواحد (54.30 دولار بسعر اليوم) مضافا اليها انخفاض انتاجية الاكتفاء الذاتي للسوق العراقية نتيجة انشغال غالبية القوى العاملة في الحرب الايرانية ومصانع صدام للتصنيع الحربي.
تكاليف القدرة الاستهلاكية الاجمالية للعوائل العراقية فيما لو حافظت على نفس نمط المستوى المعيشي الذي شهدته خلال فترة السبعينات بلغت 336 مليار دولار خلال الفترة 1980-1990. زائدا 90 مليار دولار تكاليف الحرب الايرانية زائدا 30 مليار دولار ما سرقه صدام وحاشيته زائدا 20 مليار تكاليف برامج التصنيع العسكري (نووي كيمياوي بايلوجي تقليدي) زائدا 65 مليار دولار كلفة اليد العاملة المصرية (المرسل الى مصر فقط) زائدا مايقارب 20 مليار دولار صرفت على البنية التحتية فأن ذلك يعني بأن احتياجات الدولة العراقية ما بين 1980-1990 كانت 561 مليار دولار او (52 مليار دولار سنويا). اجمالي واردات النفط كانت 145 مليار دولار (14.5 مليار سنويا) زائدا 40 مليار دولار فائض مالي من فترة السبعينات مما نتج عنه عجزا ماليا مقداره 376 مليار دولار. منها 120 مليار دولار ديون العراق خلال فترة الثمانينات . اما باقي العجز مطروحا منه ديون العراق فكان 256 مليار دولار. مما يعني بان تكاليف القدرة الاستهلاكية للعائلة العراقية قد انخفضت من 336 مليار دولار الى 80 مليار دولار (336-256) او بمعدل 8 مليارات دولار سنويا. او 16 مليار دولار بسعر اليوم. هذا الانخاض نتج عنه معدلات تضخم سنوية تزيد عن العشرين بالمائة زائدا انخفاض قيمة الدينار العراقي من ثلاث ونصف دولار عام 1980 الى اقل من 0.2 دولار عام 1990. معدلات التضخم وانخفاض قيمة الدينار نتج عنه تردي دخل العائلة العراقية السنوي من 29 الف دولار (ارقام اليوم) عام 1980 الى اقل من الف دولار بسعر اليوم (عام 1990).
عهد صدام (1991-2003)
المعدل السنوي لصادرات العراق النفطية خلال هذه الفترة كان اقل من مليون برميل يوميا (0.98 مليون برميل) لان العراق لم يصدر سوى كميات قليلة الى الاردن ما بين اعوام 1991-1997. معدل سعر النفط خلال هذه الفترة كان 19.2 دولار (26 دولار بسعر اليوم). مما نتج عنه دخلا سنويا مقداره 7.29 مليار دولار او 9.24 مليار دولار بسعر اليوم. اجمالي واردات العراق النفطية خلال فترة الحصار بلغت 110 مليار دولار يطرح منها تعويضات الحرب وعمولات صدام . زائدا 40 مليار دولار اقترضها العراق. وعليه فأن دخل العائلة العراقية انخفض الى اقل من مائة دولار سنويا. مما نتج عنه نسبة فقر تقدر باكثر من 90%.
ما بعد التحرير (2003-2010)
المعدل السنوي لصادرات العراق النفطية ما بعد التحرير بلغ حوالي 1.6 مليون دولار برميل يوميا وبمعدل سعر 60.62 دولار للبرميل الواحد. مما نتج عنه واردات نفط سنوية مقدارها 37 مليار دولار. يصرف منها 20% لمشاريع الاعمار زائدا 4% تعويضات حرب مما يبقى منها مبلغ 30 مليار دولار يستخدم لدعم احتياجات المواطن. واذا اخذنا بنظر الاعتبار تحول الاقتصاد العراقي الى سوق استهلاكي بنسبة 90% فأن هذه الاموال تكفي الى سد احتياجات 20% من العائلات العراقية مفترضين تمتعهم بدخل سنوي مشابه الى الدخل السنوي لفترة نهاية السبعينات مما يعني ان 75% من نفوس العراق يعيشون بلا دخل. اما اذا حافظنا على دخل العائلة العراقية خلال حقبتي قاسم وعارف فأن ايرادات العراق تكفي الى 70% من سكان العراق مما ينتج عنه نسبة فقر تصل الى 30%. وهذه الارقام هي اقرب الى الوضع الراهن. ايضا العراق بحاجة الى اكثر من عشرة سنوات لبناء بيته التحتية . سوف اعود الى هذا الموضوع لاحقا.
خسائر العراق المالية بسبب حماقات صدام
نتحدث دائما عن جرائم صدام وقمعيته بدون التطرق الى الخسائر المالية التي تكبدها العراق بسبب حماقاته ونزواته الطائشة. في هذه الفقرة سوف اضع مبلغا رقميا لحجم هذه الخسائر. عند استلام صدام للسلطة عام 1979 كان النظام يطبق خطط خمسية هدفها رفع صادرات العراق الى ستة ملايين برميل يوميا في مطلع الثمانينات والى ثمانية برميل يوميا ابتداءا من منتصف الثمانينات. هذه الخطط ابتدأت في منتصف السبعينات نتيجة الازياد الطردي للاستهلاك العالمي نتيجة الثورة الصناعية العالمية حيث كانت ستراتيجية العراق تعتمد اولا على تسخير التقنية الروسية والتي ساهمت في زيادة انتاجية العراق من 1.8 مليون برميل عام 1973 الى اكثر من 3.5 مليون برميل يوميا عام 1980 زائدا تأهيل الخبرة العراقية في التنقيب والانتاج والتي وصلت الى اكتماليتها في نهاية السبعينات. ان لم يخض صدام حروباته الثلاث فأن من المنطقي ان يصدر العراق ستة ملايين برميل بدون التأثير على انخفاض اسعار النفط لأن صادرات السعودية والكويت والامارات وايران المتزايدة جاءت نتيجة فقدان العراق لقدرته التصديرية. في اوائل السبعينات كانت صادرات العراق مقاربة لصادرات السعودية وخلال حقبة السبعينات كان نسبة الزيادة في صادرات البلدين متقاربة. واذا اخذنا بنظر الاعتبار معدلات احتياطي السعودية (262 مليار برميل), العراق (220 مليار برميل), ايران (132 مليار برميل), الكويت (99 مليار برميل), الامارات (97 مليار برميل) فأن في حالة بقاء العراق في السوق النفطية فأن حصة هذه الدول التصديرية منطقيا تأخذ الشكل التالي: السعودية (سبعة ملايين برميل يوميا بدلا من التسعة الى عشرة ملايين التي صدرتها بسبب حماقات صدام), العراق (ستة ملايين برميل يوميا), ايران (ثلاثة ملايين برميل بدلا من الاربعة), الكويت والامارات (مليوني برميل يوميا بدلا من المليونين والنصف). ولذلك لو حسبنا عائدات كميات النفط التي خسرها العراق بسبب حروبات صدام لوجدناها تصل الى 3,314 مليار دولار (اكرر اكثر من ثلاثة آلاف مليار دولار). واذا افترضنا ان هذه الاموال قد تم استثمارها في اوراق السوق العالمية وبمعدل فائدة سنوية مقداره خمسة بالمائة فأن خسائر العراق المالية تصل الى 7,968 مليار دولار (اكثر من ثمانية آلاف مليار دولار). فاذا تركت هذه الاموال في البنوك العالمية فأن ارباحها السنوية (فائدة بنسبة 5%) تصل الى 400 مليار دولار سنويا او ما يعادل تصدير 20 مليون برميل يوميا او عشرة مرات اكثر من عائدات حكومة المالكي السنوية او 75 الف دولار سنويا للعائلة العراقية الواحدة. خسائر العراق المالية بدون حتى التطرق الى تكلفة الحروب والدمار المصاحب لها كلف كل شخص عراقي ربع مليون دولار او مليون ونصف دولار للعائلة العراقية المتكونة من ستة افراد ومع هذا اجد من لازال يحن الى حكم صدام ويدافع عنه.
علاقة النفط بمآسي العراق
كما أسلفت كانت صادرات العراق النفطية حتى عام 1954 لاتزيد عن 50 الف برميل يوميا ولكنها شهدت تصاعدا ملحوظا ما بين اعوام 1954-1958 حتى وصلت الى 600 الف برميل يوميا عام 1958. هذه الفترة ايضا شهدت عدة انقلابات عسكرية فاشلة وتغيير مستمر لحكومات العهد الملكي توج بانقلاب 1958 والذي نفذه خليط من الوطنيين والمستقلين والشيوعيين والقوميين والناصريين والبعثيين. اما فترة 1958-1968 فهي الاخرى شهدت تصاعدا طرديا في صادرات العراق النفطية وصلت الى 1.4 مليون برميل يوميا عام 1968. هذه الفترة شهدت عدة انقلابات دموية ناجحة وفاشلة نفذتها الايدلوجيات المتضاربة والمتناقضة مع بعضها البعض والتي قادت انقلاب 1958. في نهايتها شهد عودة حزب البعث الى السلطة للمرة الثانية عام 1968. في هذه الحقبة الزمنية بدأت الثورة الصناعية العالمية تترجم قريحتها المتزايدة للنفط. وفي هذا المجال كان هناك سباقا ما بين السعودية والعراق على نيل حصة الاسد في الطلب العالمي المتزايد. الخط التصاعدي للانتاج السعودي كان كالتالي: 1.3 مليون برميل عام 1960, 3.2 مليون عام 1970, 9 مليون برميل عام 1980. بينما كان تصاعد انتاجية العراق كالتالي: 1.4 مليون برميل عام 1970, 2.4 مليون عام 1977, 4 مليون برميل عام 1980, وكان متوقعا ان يصل الى ستة ملايين عام 1982 و ثمانية ملايين عام 1985. فمن كان المستفيد من اندلاع الحرب الايرانية؟. السؤال ليس بحاجة الى اجابة. ايضا لو نظرنا الى صادرات النفط ووارداتها المالية خلال نهاية السبعينات لوجدناها: 32 مليار دولار بسعر اليوم عام 1975, 40 مليار دولار عام 1976, 45 مليار دولار عام 1977, 43 مليار دولار عام 1978, ثم قفزت الى 87 مليار دولار عام 1979 وهي السنة التي ازاح فيها صدام البكر عن رئاسة الجمهورية العراقية.
بعد انتهاء الحرب العراقية الايرانية خرج العراق من هذه الحرب مثقلا بديون خارجية تصل الى 120 مليار دولار. واذا نظرنا الى السوق النفطية واسعار النفط في وقتها فأن صادرات النفط العراقية لم تكن كافية لسد جزء من فوائد هذه الديون المتراكمة ولا خيار للعراق الا برفع معدلات انتاجه سريعا. في هذا المضمار بدأت حكومة صدام بخوض مباحثات جادة مع شركات يابانية وامريكية يتم بموجبها استثمار حقول النفط العراقية للوصول الى طاقة انتاج تصل الى 12 مليون برميل يوميا مع منح العراق مبلغ 100 مليار دولار مقدما تستقطع لاحقا من عائدات النفط. فماذا كانت النتيجة؟. اندلاع حرب الخليج الاولى. والآن وبعد التخلص من نظام الدكتاتورية علينا ان نسأل انفسنا من هي الجهات التي تزعزع امن العراق والذي يقف عائقا ضد استعادة العراق لقدرته الانتاجية؟. اليس دول الخليج مضافا اليها ايران هذه المرة؟.
اقتصاد ما بعد التحرير
بعيدا عن تفائل ساسة العراق المفرط فأن الاقتصاد العراقي بدون زيادة انتاجية المصنع المحلي (زراعة صناعة سياحة) يحتاج الى اما تصدير ستة ملايين برميل من نفطه يوميا مع عشرة سنوات او تصدير عشرة ملايين برميل يوما مع خمسة سنوات قبل أن يسترد عافيته وتعمر بنيته التحتية ويكتمل جانبه الخدمي والصحي والتعليمي ويواكب التقدم الحاصل في دول المنطقة. وعلى عكس تفائل وزير النفط العراقي فأن ارقام تصدير النفط التي يرددها للاعلام العراقي لايمكن تحقيقها بظل الوضع الامني المتردي وضحالة مهنية وخبرة وامكانية الكوادر المحلية الداعمة لشركات الاستثمار الاجنبية واستيعاب السوق النفطية وتوفر منافذ التصدير. حيث يملك العراق حاليا منفذي تصدير احدهما عبر موانئ البصرة وبطاقة تصل الى مليوني برميل يوميا والاخر عبر الخط التركي وبطاقة تصدير يومية مقدارها 1.6 مليون برميل مما يوفر معدل تصدير يومي لايزيد عن الثلاثة ملايين برميل اذا اخذنا بنظر الاعتبار انقطاعات الصيانة وتقلبات الجو. نظريا يمكن الاستفادة من خطوط سوريا المعطلة منذ 1982 والتي بحاجة الى صيانة تستغرق مابين السنة والثلاث سنوات ان كانت اقتصاديا قابلة للتأهيل ولكن هل لنا ان نثق بالنظام السوري؟. فشخصيا اعتقد سواء تمت صيانة الخطوط القديمة او انشأت خطوط نقل جديدة فأن سوريا سوف تمنع العراق عن استخدامها عندما تدفع لها دول الخليج ضعف عائداتها ومثلما فعلت اثناء الحرب الايرانية عندما اغلقت انابيب النفط بوجه العراق عندما دفعت لها ايران ثلاثة اضعاف وارداتها من عائدات نقل النفط العراقي. انشاء منافذ تصدير جديدة يستغرق ما بين الثلاث والست سنوات على اقل تقدير. فحتى اذا افترضنا توفر مصادر التصدير فأن السوق العالمية حاليا لاتسمح بزيادة حادة في صادرات النفط نتيجة الركود الاقتصادي العالمي فالحاجة الى النفط حاليا اشبه بفترة الثمانينات عندما مر الاقتصاد العالمي بمرحلة ركود اسفر عنها انخفاض في استهلاك النفط وصل الى 40% مما اضطر السعودية في وقتها الى خفض صادراتها من عشرة ملايين برميل يوميا الى اربعة فقط وذلك حفاظا على الانهيار الكامل لاسعار النفط. زيادة حصة العراق الانتاجية الى اربع ملايين برميل يوميا يمكن احتوائه من خلال تقليص تجاوزات دول اوبك عن حصصها الرسمية والتي تقدر بمليوني برميل يوميا. ولكن اية زيادة بعد ذلك مرتبط بانتعاش السوق العالمية لعافيته والذي لا يتوقع حدوثه قبل خمسة اعوام على اقل تقدير حيث في حالة استعادة الاقتصاد العالمي لمعدلات نمو ايجابية فأن السوق العالمية بحاجة الى ما يقارب عشرة الى عشرين مليون برميل اضافية ولربما اكثر. ايضا في ظل عولمة الاقتصاد العالمي اصبح من الصعب جدا تنبؤ احتياجات السوق العالمية المستقبلية حيث اصبحت اقتصادات العالم مكملة ومرتبطة بعضها بالبعض واصبح تعرض اقتصاد اية دولة رأسمالية الى نكسة اقتصادية ناجمة عن فساد او سوء ادارة او كارثة طبيعية او فضيحة يؤدي الى شل الاقتصاد العالمي برمته. شخصيا اتوقع زيادة تدريجية بطيئة في صادرات العراق النفطية حيث اتوقع ان تصل صادرات العراق الى ثلاثة ملايين برميل يوميا في منتصف عام 2012 واربعة ملايين برميل في منتصف عام 2014 وستة ملايين برميل في منتصف عام 2016 و عشرة ملايين برميل عام 2020 اذا سمح سوق النفط بذلك. وعليه فعلينا الاخذ بالواقعية وترك التمنيات جانبا والتفكير بكيفية انعاش الاقتصاد العراقي وبناء البنية التحتية مع سقف انتاج مقداره اربع ملايين برميل يوميا. وهذا لا يتحقق الا اذا ازدادت انتاجية المصنع المحلي حيث يمكن للاقتصاد العراقي استعادت عافيته خلال فترة خمس سنوات وعن طريق تصدير اربعة ملايين برميل يوميا اذا تمكن الاقتصاد العراقي من انتاج 50% من احتياجات السوق العراقية.
في دول الاقتصاد الحر توظف الدولة ما يقارب 10% من القوى العاملة في حالة امتلاك القطاع الخاص لحقل الخدمات بينما توظف الدولة ما يقارب 20-25% من القوى العاملة عندما تكون الدولة مسؤولة عن الخدمات كالتعليم والكهرباء والصحة والماء والمجاري ومعالجة النفايات. ايضا في الاقتصاد الحر فأن الدولة لاعلاقة لها بنمو ونشوء المنتج المحلي ولكن القوى الشرائية وحاجة السوق هي التي تفرض نفسها فعندما يكون هناك حاجة وقوى شرائية للثلاجات والسيارات والاجهزة الالكترونية ومحصول الطماطة مثلا وعندما تكون كلفة صناعة او انتاج هذه المنتوجات محليا ارخص واكثر ربحا من استيرادها وعندما يكون مناخ الاستثمار ملائما فأن المستثمر سوف يأتي من حيث لا تدري. ولكن عندما تكون القوى الشرائية معدومة او ان كلفة الانتاجية عالية جدا حيث عدم توفر الكهرباء ومشتقات النفط ووسائل النقل والطرق ومنافذ استيراد المواد الخامة وعدم استقرار الوضع الامني مما يضطر المنتج الى توفير كهرباء مصنعه بنفسه وشراء مشتقات النفط من السوق السوداء وتوفير حماية باهضة لعمال وكوادر مصنعه ووسائل تخزين ونقل بضاعته مع عدم وجود ضمانات لاستثماراته فأن ذلك سوف يجعل انتاج البضاعة محليا اغلى من صنعها في دولة ثانية وتصديرها للعراق. فمهما حاولنا اغراء المستثمرين سوف لا نستطيع اقناع احدا بذلك عراقيا كان ام اجنبيا. لذلك امام الحكومة العراقية خياران الاول هو استخدام عائدات الزيادة في صادرات النفط العراقي لبناء البنية التحتية وتحسين مجال الخدمات كالكهرباء والماء والطرق والموانئ والمطارات والاتصالات والصحة والتعليم والامن وتوفير الاسس اللازمة لتهيئة مناخ الاستثمار وترك القطاع الخاص يشق طريقه بنفسه. وبظل واقعية وليست خيالية صادرات العراق النفطية فأن ذلك لايتم الا بعد عشرة سنوات على اقل تقدير. أما الخيار الثاني هو الموازنة مابين مشاريع البنية التحتية والخدمات ومساعدة القطاع الخاص. ففي مجال الزراعة مثلا باستطاعة الدول مساعدة الفلاحين و المستثمرين ماليا والتشجيع على استخدام التقنية الحديثة في الزراعة وانشاء وسائل الري والبزل مع حماية المحصول المنتج وذلك بفرض ضرائب على المحاصيل الزراعية المستوردة. تشجيع قطاع الزراعة وتربية الحيوانات والدواجن والاسماك ايضا يساهم بخلق صناعات مكملة كصناعة ونصب وصيانة البيوت الزجاجية ووسائل السقي التقطيري والاسمدة وتعليب وتجفيف وتجميد المنتجات ومكائن الزراعة وما شابه ذلك. في الولايات المتحدة لكل مزارع منتج هناك عشرة عمال او موظفون يعملون في الصناعات الداعمة لزراعة او تسويق منتوجه. ايضا مساعدة المستثمر المحلي ماليا في الصناعات الخفيفة والورش الصغيرة مع حماية منتوجه وذلك بفرض ضرائب على المستورد المماثل. زائدا استثمار الدولة المباشر في الصناعات الثقيلة او تلك التي تحتاج الى اموال وتقنيات عالية مع تشجيع المستثمر المحلي على صناعة مواد الغيار ومفردات الانتاج التي تصنع يدويا. فمثلا في حالة انشاء الدولة لمصنع للسيارات فأن هذا المصنع سوف يكون بحاجة الى مئات المصانع الصغيرة والورش المكملة له. في امريكا مثلا لكل وظيفة في مصانع السيارات هناك 30 وطيفة في الصناعات المكملة لها. في البلدان المتقدمة توظف السياحة الداخلية التجميمية ووسائل الترفيه ما يقارب العشرين بالمائة من القوى العاملة. وهنا لا اقترح ان تشرع الدولة ببناء المنتجعات السياحية ولكن على الدولة توفير مستلزمات نشأتها. فلو اخذنا بحيرة الحبانية او الثرثار او الرزازة مثالا, تستطيع الدولة ان تبلط طريقا دائريا يحيط بهذه البحيرات مع ايصال الكهرباء والماء والاتصالات الى طرفيه ثم تقسيم الاراضي المحاذية لجانبي الطريق وبيعها للمستثمر بشرط ان لاتستخدم لاغراض السكن الدائم. ما تجنيه الدولة من ثمن الاراضي يكفي لسد مبالغ تهيئتها للمستثمرين المحليين او الاجانب ولربما تحقق الدولة ارباحا. عندما تتوفر هذه الاراضي المجهزة بطريق مبلط وماء وكهرباء ومجاري واتصالات فان المستثمرين سوف يشيدون عليها الفنادق والمطاعم والاسواق والمسارح والسينمات واماكن التسلية الاخرى, ايضا سوف نجد منافذ تسلية اضافية كتأجير الزوارق لغرض النزهة او صيد السمك وزوارق السباق والجتسكي وماشابه ذلك. الله سبحانه تعالى انعم العراق بمصايف جبلية وبحيرات طبيعية واصطناعية واهوار وواحات ومراقد دينية ومواقع اثرية وانهر, لماذا لا نستغلها اولا لترفيه المواطن وثانيا خلق فرص عمل اقتصاد العراق بحاجة ماسة لها. في الاقتصاد المتكامل الفرق بين النمو والركود يحدده سرعة انتقال الاموال بين المواطنين اي السرعة التي يصرف بها مواطنو البلد ايراداتهم اما في الاقتصاد الاستهلاكي فأن النمو والركود يتحكم به الفرق بين الواردات الخارجية والاستيراد.
للاسف اول خطأ اقترفته حكومات ما بعد التحرير هو زيادة رواتب موظفي الدولة. في اقتصاد استهلاكي لازال يتأرنح في خطوته الاولى, هذا التصرف يؤدي الى زيادة حادة في التضخم تفتح فجوى شاسعة ما بين الموظف في دوائر الدولة والفقير او صاحب الحرفة الخاصة مما يؤدي الى قتل الحرف الخاصة والمنتج المحلي ويزيد من احتمالية السوق الاستهلاكي العاطل كليا عن العمل. كان يجب على الدولة زيادة رواتب موظفي الحكومة تدريجيا وببطئ واستخدام الفائض المالي لبناء البنية التحتية وتحسين مجال الخدمات وانعاش القطاع الخاص وذلك لتوفير فرص عمل اضافية تقلل من البطالة. فأسوأ ما تفعله الدولة هو تحسين المستوى المعيشي لجزء من مواطنيها وترك مصير البقية الى المجهول, الدولة الراشدة هي التي تأخذ بيد جميع مواطنيها بالتساوي وبدون ان تخلق فجوات اقتصادية واجتماعية واسعة . الخطأ الثاني الذي ارتكبته حكومات ما بعد التحرير وعلى الرغم من انها ورثت الفساد المالي والاداري من العهد الصدامي ولكنها لم تتخذ خطوات عملية لايقافه او محاربته او التقليل منه وفي احيانا كثيرة شجعته واستخدمته لغرض شراء الولاء الحزبي.
دعونا جنبا من ثرثرة احزاب السلطة عن اصلاح الاقتصاد العراقي وبحبحة المستوى المعيشي للمواطن لأن لا احد فيهم يملك عصا سحريا فوضع الاقتصاد العراقي اشبه بطفل عمره ست سنوات, تضعه في زنزانة مغلقة لايسمع ولا يرى ولايتحرك فيها وتخرجه منها بعد 23 سنة وتطلب منه بين ليلة وضحاها مواكبة المجتمع. والاقتصاد العراقي ليس بالاستثناء حيث قبل ان نفكر بنموه علينا اصلاح ما افسدته ودمرته سنوات الحرب الايرانية والحصار وحربي الخليج ناهيك عن اعادة بناء شخصية المواطن العراقي التي حولتها الحروب والفقر الى شخصية ميالة للانتهازية والجشع والتطرف الفكري. ايضا لا نستطيع ان نلقي اللوم كاملا على حكومات ما بعد التحرير لأنها اصلا ورثت خرابا متصديا مما حتم عليها الانطلاق من نقطة الصفر. حيث ما ورثته حكومات ما بعد التحرير كان:
اولا: هجرة العقول والتقنية الفنية والادارية والاكاديمية العراقية حيث منذ اندلاع حرب الخليج الاولى غادر العراق اغلب عقوله وقوته العاملة الفنية والادارية والاكاديمية.
ثانيا: بلدا مخربا بالكامل فعملية الاعمار والتنمية توقفت بالكامل منذ اندلاع الحرب الايرانية زائدا توقف عقارب الساعة منذ الغزو الكويتي زائدا التدمير الكامل لبنيته التحتية نتيجة حربي الخليج الاولى والثانية زائدا ما تم تدميره خلال عمليات الفوضى التي رافقت سقوط النظام. . زائدا ارتفاع نسبة الملوحة نتيجة اهمال الاراضي الزراعية لاكثر من ثلاثين سنة زائدا ازدياد مساحات التصحر الناتج عن قطع دول الجار لموارد العراق المائية.
ثالثا: فساد يشمل جميع مؤسسات الدولة.
رابعا: تغير في شخصية المواطن العراقي نتيجة سنوات الحصار والفقر والتي اصبحت ميالة للجشع والانتهازية وقابلية الاختلاس والكسب غير المشروع والتطرف الفكري والتعصب الطائفي.
خامسا: كثرة الكيانات السياسية وفقدان الثقة بينها وكثرة صراعاتها جعل التوظيف يتخذ المحسوبية والمنسوبية بعيد عن الكفائة والشهادة والخبرة والمهنية.
سادسا: تحول الاقتصاد العراقي الى اقتصاد استهلاكي بنسبة 90% .
سابعا: ارهابا بشعا وفقدان الامن الداخلي وقف عائقا امام الاستثمار الخارجي او استخدام الشركات العالمية لاعادة بناء البنية التحتية او زيادة الانتاجية النفطية زائدا زيادة كلفة الاعمار والصيانة نتيجة الحاجة لتوفير الحماية اللازمة للموظفين والعمال.
ثامنا: عناصر الاحزاب الحاكمة ينقصها المهنية لان اغلب عناصرها اما رجال دين او من ترك مهنته الفنية وتفرغ للسياسة منذ اكثر من ثلاثين عاما فالمؤهلات الدراسية ناقصا الخبرة التطبيقية لاقيمة لها وعادل عبد المهدي وباقر صولاغ جبر وحسين الشهرستاني انموذجا. صحيح ان د. عادل عبد المهدي حاصل على دكتوراه في الاقتصاد ولديه كتبا وبحوثا نظرية ولكنه لم يعمل في اختصاصه يوما واحدا وقضى كل عمره في السياسة . شخصيا ونتيجة خبرتي المهنية اصبحت لي قناعة بأن مهندس بكالوريوس قضى عمره يعمل في اختصاصه افضل الف مرة في النواحي التطبيقية والعملية من بروفسور اكاديمي. فالبروفسور يضع نظريات تدرس في الجامعات بينما الخبرة تتحول الى واقع ملموس ينتج عنها بضاعة. العراق بوضعه الراهن بحاجة الى ادوات تطبيق وليس نظريات فلسفية. اما بخصوص مؤهلات وزير المالية باقر صولاغ جبر فقد سمعته عدة مرات ينسب ارتفاع قيمة الدينار خلال ادارته لوزارة المالية الى عبقريته حيث يدعي بأن قيمة الدولار عند استلامه الوزارة كان يساوي 1400 دينارا, اما اليوم وبعد اربع سنوات من عبقريته اصبحت قيمة الدولار تساوي 1200 دينارا. فهل حقا ارتفعت قيمة الدينار ام بالاحرى انخفضت قيمة الدولار فقيمة الدينار ترتفع اما بارتفاع قيمة الدينار وابقاء قيمة الدولار ثابتة وهو ارتفاع حقيقي او عندما تنخفض قيمة الدولار وهو ارتفاع وهمي وقد يكون اصلا انخفاضا في القيمة. دعونا نرى. قبل اربع سنوات كان اليورو يساوي دولارا واحدا اما اليوم فاليورو يساوي 0.6 دولار. ايضا قبل اربع سنوات كانت قيمة غرام الذهب يساوي 25 دولار اما اليوم يساوي 41 دولارا. اذن ارتفاع قيمة الدينار بالنسبة للدولار بنسبة 15% كان تحصيل حاصل لفقدان الدولار الى 40% من قيمته الحقيقية. مما يعني انخفاض القيمة الحقيقية للدينار حيث قبل اربع سنوات كان غرام الذهب يساوي 36 الف دينار عراقي اما اليوم فيساوي 50 الف دينار عراقي. فمن المنطقي ان تتراجع قيمة الدينار العراقي لأن وارادات العراق النفطية بالدولار تقل عن ميزانية الدولة بالدينار. هذه بديهيات تدرس في مرحلة الدراسة الاعدادية. فما علاقة مهندس مدني لم يمارس أختصاصه ولو ليوم واحد بوزارة المالية؟.
اما بخوصوص د. حسين الشهرستاني فحدث بلا حرج. حيث لم يمارس اي اختصاص او نشاط علمي او فني منذ عام 1979 عندما سجنه نظام صدام نتيجة اشتراكه في ركضة طويريج وصداقته لمحمد باقر الحكيم ولولا تدخل د. جعفر ضياء جعفر لدى صدام شخصيا لكان قد اعدم في وقتها. اما ادعائه بأنه عالم نووي وان اغتياله كان بسبب رفضه المشاركة في برنامج صدام لصناعة القنبلة النووية فهذه كذبة نيسان.
فاولا: الدكتور الشهرستاني حاصل على بكالوريوس هندسة كيمياء من الكلية الملكية البريطانية ودكتوراه هندسة كيمياء من جامعة تورونتو الكندية, ما بين اعوام 1971-1973 انتسب الشهرستاني الى وكالة الطاقة الذرية العراقية وكان نشاطه مقتصرا على دراسة تسمم الفلاحين نتيجة تناولهم بذور القمح المعفر بمادة الزئبق المستورد من قبل عزة الدوري عندما كان مسؤولا عن تطوير وتحديث الزراعة العراقية. في عام 1973 ترك وكالة الطاقة للتدريس في جامعة بغداد ثم عاد اليها عام 1975 ليعمل ضمن كادر المفاعل الروسي (تموز 1) الذي كان مفاعلا بدائيا بطاقة اثنين ميغا واط حراري قبل زيادة سعته بواسطة شركة نمساوية في مطلع الثمانينات ليصل الى خمسة ميغاواط حراري. نشاطاته العلمية كانت مقتصرة على تنشيط النظائر المشعة المستخدمة للاغراض الطبية. فليس كل من عمل في مجال الطاقة الذرية اصبح عالما نوويا فأنا اختصاصي الدراسي والوظيفي هندسة كهربائية وعملت في وكالة الطاقة الذرية اسوة بزميلي دكتور الشهرستاني فهل هذا يعني بأني اصبحت عالما نوويا؟. اطلاقا لا.
ثانيا: لم يكن للشهرستاني علاقة بفريق المفاعل الفرنسي لا عن قريب ولا عن بعيد والذي كان اصلا في مراحل بنائه الاولية عندما سجن الشهرستاني.
ثالثا: في تلك الفترة لم يكن العراق مختارا بالضبط مساره لامتلاك وقود القنبلة الذرية حيث كان يدرس طريقين, الاول عن طريق ايجاد ثغرات في كامرات الرقابة يستغلها في الفترات الزمنية بين زيارات فرق تفتيش الوكالة الدولة وذلك بتغليف وقود المفاعل بكمية من اليورانيوم الطبيعي لغرض تشعيعها وتحويل جزءا منها الى نظير البلوتونيوم القابل للانشطار. اما في حالة فشل هذا الخيار فالطريق البديل هو بناء مفاعلا سريا صورة طبق الاصل للمفاعل الفرنسي بتقنية عراقية. فحتى في وقتها لم يشرع العراق بالحسابات النظرية والدقيقة لعمليات تشعيع اليورانيوم حيث كان مفاعل تموز 2 عبارة عن قنبلة ذرية متحكم بها وادخال اية كمية من اليورانيوم الطبيعي والذي يحتوي على نظيره القابل للانشطار سوف يؤدي الى زيادة مجال النيوترونات السريعة وبدون الموازنة الدقيقة للتفاعل النووي فأن ذلك يؤدي الى انفجار نووي لوقود المفاعل خلال جزء بسيط من الثانية. وفي وقتها لم تكن لعلماء الذرة حتى الثقة الكافية بمقدرتهم على انجاز حسابات دقيقة للتحكم بتوازن الانشطار النووي فلذلك كان المشروع الفرنسي عبارة عن مفاعلين. الاول رئيسي (تموز 2) وبطاقة حرارية مقدارها 40 ميغا واط قابلة للزيادة الى 75 ميغا واط والثاني (تموز 3) عبارة عن نموذج مصغر بطاقة 200 كيلو واط (لم يدمر في القصف الاسرائيلي) يستخدم لاختبار نموذجا مصغرا لاية تجربة علمية او نشاط نووي قبل تجريبه بحجمه الحقيقي في المفاعل الاصلي (تموز 2).
رابعا: لم يشرع العراق ببرامج تخصيب اليورانيوم الا في عام 1983 عندما فشلت مع فرنسا مباحثات اعادة بناء المفاعل الفرنسي حيث بعد تدمير اسرائيل لمفاعل تموز 2 اصدرت وكالة الطاقة الذرية الدولية قرارا حرمت فيه انشاء مفاعلات الابحاث التي تستخدم وقودا مخصبا لاكثر من نسبة 37%. هذا النوع من المفاعلات لايمكن استخدامه لانتاج وقود القنابل الذرية لأنها ايضا تنتج نظير البلوتونيوم 240 وعملية فصل هذا النظير عن نظير البلوتونيوم قابل للانشطار النووي يحتاج الى عمليات تخصيب اعقد واكثر كلفة من تخصيب اليورانيوم وذلك لتقارب الوزن الذري ما بين النظيرين. ففرق الوزن الذري بين نظيري البلوتونيوم يساوي 0.41% بينما هذا الفرق يساوي 1.26% بين نظائر اليورانيوم. سبب فشل اول تجربة نووية قامت بها كوريا الشمالية كان نتيجة هذا التلوث.
والمضحك المبكي في الموضوع ان السيرة الذاتية لحسين الشهرستاني تنص على انه سجن وعذب نتيجة رفضه المشاركة في برنامج صدام النووي ومع هذا تنص سيرته الذاتية على انه عمل مستشارا لوكالة الطاقة الذرية العراقية منذ عام 1979. شيء ما يشبه شيء...فكيف يرفض المشاركة في البرنامج وهو يدعي بأنه كان مستشارا له..ومن سجن ابو غريب؟.
د. نزار احمد
مشغان, الولايات المتحدة الامريكية
Nezarahmed@hotmail.com