الأهرام اليومى . الجمعه. 26 نوفمبر 2010
الوصايا العشر في انتخابات مجلس الشعب
يكتبها: فاروق جويدة
بيني وبين الانتخابات ذكريات أليمة.. منذ فتحنا عيوننا علي الاتحاد القومي والاتحاد الاشتراكي وقبلهما هيئة التحرير وأنا لا اصدق قائمة انتخابية ولا أثق في هذه اللجان التي تنقلها الشاشات والجماهير تتزاحم أمامها وليس فيها مواطن واحد.. ما أكثر الأكاذيب التي عشناها سنوات طويلة في مسلسل الانتخابات
سواء كانت انتخابات مجلس الأمة أو مجلس الشعب أو مجلس الشوري.. وكلها مجالس.. إلا أنني هذه المرة ربما تجرني أقدامي وتحملني إلي أقرب لجنة انتخابية وقد وضعت لنفسي قائمة بالوصايا العشر التي عاهدت الله أن التزم بها في اختيار الأشخاص الذين وقع عليهم اختياري وإذا لم أجد هذا الشخص فسوف أعود إلي بيتي حاملا صوتي ربما أحتجت إليه في زمان آخر إذا امتدت بنا سنوات العمر..
عاهدت نفسي علي هذه الوصايا العشر ولعلك عزيزي القاريء أن تجد فيها ما ينفعك وما يرشدك وأنت أمام لجنة الانتخابات..
< لن انتخب عضوا في مجلس الشعب اخترته في الانتخابات الماضية أكثر من مرة ولم أشاهد طلعته البهية طوال سنوات خمس لقد اختفي بعد أن سطا علي الحصانة ولم نعرف له بعد ذلك مكانـا.. فلا هو ظهر في دائرته الانتخابية ليواجه مشاكل الناس ولا هو مر علي بيوت الناخبين في الأعياد والمناسبات وقبل هذا كله هو لم يظهر إطلاقا علي شاشات التلفزيون يقدم استجوابا أو طلب احاطة لقد شاهدته دائما في حالة تصفيق دائم وكل ما سمعناه عنه أنه أصبح مقاولا كبيرا وحصل علي عدد كبير من المساحات في أراضي الدولة وانه يتاجر في الشقق المخصصة للشباب ويقدم مستندات مضروبة.. وأنه حصل علي قرض بعدة ملايين من أحد البنوك لم يسددها وأنه يحصل علي معونة سنوية من الحزب الوطني لتوفير الخدمات للدائرة ولم تصل هذه المعونة إلي مستحقيها طوال خمس سنوات.. لن انتخب هذا العضو الفاسد لأن الفروع الفاسدة أفسدت الشجرة كلها..
< لن انتخب الأعضاء الذين يتاجرون في طعام هذا الشعب إنهم يمثلون عصابات منظمة.. هناك عصابات لاستيراد القمح وهناك مافيا لتجارة المحاصيل خاصة القطن وهناك من يلعبون في أسواق السلع الغذائية ويديرون المصانع لحسابهم حتي ولو كانت مصانع تحت السلم كما يقولون.. لن أنتخب المسئولين عن الاحتكارات التي أرهقت هذا الشعب وهم يتلاعبون بالأسعار ما بين أسعار الحديد والأسمنت والأسمدة والكيماويات والزيوت.. هؤلاء الذين استنزفوا موارد هذا الشعب ونهبوا أمواله ثم ذهبوا يرفعون راية الحصانة حتي لا يقترب منهم أحد..
لن انتخب النواب الذين تاجروا في هموم الناس وافتعلوا قصة العلاج علي نفقة الدولة وتورطوا مع المسئولين في وزارة الصحة في أقبح قضية يمكن أن تحدث مع المرضي الذين يبحثون عن الدواء والعلاج.. إن الجرائم أنواع وهناك جرائم تمثل نوعا من التوحش في السلوك البشري.. أن الذي يسرق بنكا غير الذي يسرق كلية مريض أو هذا الذي يسطو علي دواء لمريض, رغم أن الجرائم واحدة إلا أن الفرق كبير جدا لأن الذي يسرق دواء المريض يحرمه من حياته..
هناك جرائم كثيرة شهدتها قبة البرلمان ابتداء بنواب التأشيرات والمخدرات وانتهاء بالفضائح الأخلاقية التي لحقت بالكثيرين من أعضاء المجلس.. ولا يعقل أن يعود هؤلاء إلي مجلس الشعب مرة أخري لأنهم عار ينبغي التخلص منه..
< لن انتخب عضوا مزورا غير صفته أكثر من مرة فقد كان فلاحا في مجلس الشعب منذ أعوام ثم أصبح عاملا في المجلس السابق والآن أصبح يحمل لقب الفئات في الانتخابات الجديدة أن مثل هذا العضو لا يستحق أن يحمل شرف تمثيل الفلاحين أو العمال فلا هو كان فلاحا ودافع عن الأرض ولا هو كان عاملا ودافع عن المصنع الذي يباع ولكنه كان انتهازيا في كل الحالات ولابد ان يلقي العقاب الذي يستحقه بالا تطأ أقدامه البرلمان مرة أخري..
< وقبل هذا هناك الأعضاء الذين اختارهم الشعب كمرشحين مستقلين بعيدا عن الأحزاب وعندما نجحوا غيروا هويتهم وانضموا إلي حزب الأغلبية.. إن عضو مجلس الشعب ينبغي أن يحترم إرادة ناخبيه ولا يغير انتماءه بهذه الصورة لأن مثل هذه السلوكيات تعتبر خديعة تسيء لهؤلاء ولا يقبلها قانون أو أخلاق..
< لن انتخب أعضاء مافيا الاراضي الذين حصلوا علي مئات الالاف من الأفدنة وتاجروا فيها وجمعوا منها مئات الملايين.. لقد حصلوا علي هذه الأراضي دون وجه حق وهم يعلمون ذلك.. وباعوها في مزادات وصفقات مريبة ومشبوهة.. وكانوا في كل الحالات يعتمدون علي علاقات مشوهة جعلتهم يحصلون علي هذه الأراضي.. وهناك الحصانة التي جمعوا منها كل هذه الأموال.. إن عددا كبيرا من أعضاء مجلس الشعب السابقين واللاحقين كانوا من سماسرة الأراضي واستولوا علي مساحات رهيبة سواء باعوها أو تاجروا فيها.. في سجلات وزارات الزراعة والسياحة والاستثمار والإسكان والمحافظات ملفات كثيرة تدين هؤلاء الذين جمعوا كل ثرواتهم من السطو علي الأراضي في كل أرجاء المحروسة.. لقد كانت كل معاركهم للحصول علي الحصانة هدفها الأول والأخير هو تجارة الأراضي.. وينبغي أن يدفعوا الآن الثمن..
< لن انتخب تجار الطماطم والفاصوليا واللحوم والدواجن الذين أشعلوا النار في الأسواق وجعلوا المواطن البسيط يئن أمام جشعهم وهم يفرضون علينا هذا المسلسل الرهيب من الأسعار التي لا يقدر عليها الأغنياء وليس البسطاء.. أن تجار المواد الغذائية.. ومستوردو اللحوم وتجار الخضراوات وهذه الإمبراطوريات الجديدة التي عجزت الحكومة عن تأديبها يجب أن تلقي العقاب من الشعب.. إنهم ينتشرون الآن في المحافظات يطوفون الدوائر ويدفعون الملايين التي جمعوها حراما من الشعب الغلبان في أزمة الطماطم وأزمة اللحوم وأزمة الخضراوات والفاكهة.. وإذا كانت الحكومة قد عجزت عن أن تقوم بدورها فيجب أن يتولي الشعب مسئولية حماية نفسه..
يجب أن يقف سكان العشوائيات ضد مرشحيهم الذين تخلوا عنهم في الدويقة واصطبل عنتر وعشرات الخرائب التي يسكنها فقراء هذا الشعب..
< لن انتخب وزيرا باع مصنعا بتراب الفلوس كان يفتح آلاف البيوت.. ولن انتخب وزيرا كان سيفـا مسلطا علي رقاب الناس وطرد العمال وشرد أسرهم وحاصرهم بالتزامات لا يقدرون عليها ولن انتخب مسئولا شارك في جريمة ضد حريات هذا الشعب وأعتقل مواطنـا دون وجه حق وسجن إنسانـا ظلما واعتدي علي حرمة بيت أو إنسان.. لن أنتخب من حاصروا العمال المتظاهرين أمام مجلس الشعب ولم يخرجوا لهم ولم يسمعوا صراخهم وبكاء أطفالهم.. لن أنتخب قراصنة الخصخصة الذين باعوا المصانع بأبخس الأثمان, وباعوا المحالج والمغازل وشردوا ملايين العمال تحت راية المعاش المبكر.. لن أنتخب المسئولين الذين أرهقوا الفلاحين بأسعار المحاصيل والمبيدات الزراعية تحت شعار الحرية الاقتصادية أو حرية الأسواق.. ولن أنتخب هؤلاء الذين فرضوا الضرائب علي المساكين بالحق والباطل.. وحولوا مؤسسات الدولة إلي أجهزة للجباية وجمع الأموال بأي صورة من الصور..
< لن انتخب رجال الأعمال الذين تخلوا عن مسئولياتهم الاجتماعية تجاه الوطن وتجاه المواطنين.. هؤلاء الذين اشتروا المصانع بتراب الفلوس وباعوها بالملايين وتحولت بين أيديهم إلي فيلات ومنتجعات بينما تحولت بيوت العمال إلي خرائب.. هؤلاء الذين لم يدفعوا مستحقات هذا الشعب في كل ما باعوا لا ينبغي أن يكون لهم شرف تمثيل شعب تخلو عنه بعد أن أخذوا كل ما كان عنده.. إن أبناء الطبقة الجديدة ومسلسل العائلات التي احتكرت ثروة مصر في ظل حكومة لا تدرك مسئوليتها هؤلاء ينبغي أن يستوعبوا الدرس ويدركوا حقيقة مواقفهم حين تخلوا عن مسئولياتهم الاجتماعية والإنسانية تجاه وطن أعطاهم كل شيء..
< لن انتخب أحدا من أبناء النخبة الذين خانوا دورهم الفكري والثقافي والحضاري وساروا في كل زفة وباعوا أنفسهم لكل من يشتري.. هؤلاء الذين جاءوا من أعماق الريف وتاجروا بأفكارهم وأصبحوا مشاعا بعد ذلك لكل الأفكار.. كان وجود النخبة في مجلس الشعب تاجا يزين كل شيء فيه.. ومنذ تحولوا إلي أبواق في الزفة خسروا كل شيء..
< أين مواكب اليسار التي كانت تتبني قضايا العمال والفلاحين.. وأين كبار المثقفين الذين صنعوا كل تاريخهم علي أسطورة قوي الشعب العاملة.. وأين رموز الحركات النقابية وأين اتحادات العمال والفلاحين من قضايا المهمشين في الأرض.. غابوا جميعا في معارك الحصانة وجمع الغنائم والمكاسب في معركة خسر فيها الجميع..
< الخلاصة عندي لن أنتخب أحدا حرمني من صوتي.. وأهان كرامتي.. واستباح حقوقي وأفسد حياتي.. ولهذا قررت ألا أذهب إلي لجنة الانتخابات احتراما لنفسي لأنني حائر بين حكومة نصفها من التجار وتجار نصفهم من الحكومة فأين المفر والجشع يطاردنا في كل مكان ما بين حكومة تخلت عن مسئوليتها لترعي عددا من الأشخاص وطبقة جديدة لا تري في الكون شيئـا غير مصالحها.. أنها محنة الشرفاء في هذا البلد
*********